لهم موائد الطعام، ولكن يبدو أن ذلك لم يصبح وظيفة مقررة إلا في عهد قصي بن كلاب1.
كما لم يكن لأحد سوى قصي أن يعقد لواء الحرب، فيجتمع تحت راية قريش المحاربون، فيسلمها قصي إلى من يختاره لقيادة الجيش, وقد يتولى بنفسه هذه القيادة، أو ينيب عنه من يتولاها. ولما أسن قصي عهد لابنه عبد الدار بجميع وظائفه. وكان عبد الدار أكبر أبنائه فثابر على القيام بها في حياة أبيه وبعد وفاته2، إلى أن توفي فتولاها أولاده من بعده. غير أن أولاد عمهم عبد مناف -وكان هذا قد عظم شأنه وساد قومه في أيام أبيه، وكان له الفضل في أنه عقد حلفًا مع بعض القبائل، وهو حلف الأحابيش الذي تقدم ذكره- قد نازعوهم عليها، ورأوا أنهم أحق بتوليها لما لهم من النباهة والفضل، وكانوا أربعة هم: عبد شمس, وهاشم، والمطلب, ونوفل. فتفرقت كلمة قريش، إذ آزر قسم منها بني عبد مناف، وأيد آخرون بني عبد الدار، وبادر كل من الفريقين إلى عقد تحالف ضد الآخر. وقد سمي الحلف الذي تزعمه بنو عبد مناف باسم "حلف المطيبين" إذ أتوا بجفنة مملوءة بالطيب غمسوا أيديهم فيها، وأقسموا على التناصر والتآزر، ثم مسحوها بجدران الكعبة، بينما عقد خصومهم بنو عبد الدار مع من انضم إليهم من البطون حلفًا مهدوا له بإحضار جفنة مملوءة بالدم وغمسوا أيديهم فيها، ثم مسحوها بجدران الكعبة فسموا "الأحلاف" و"لعقة الدم". وأوشكت أن تقع بين الطرفين حرب طاحنة، لولا أن تداركها بعض العقلاء، ونجحت مساعي الصلح، وتم الاتفاق على أن تكون السقاية والرفادة لبني عبد مناف, والحجابة واللواء ورئاسة دار الندوة لبني عبد الدار3.
وقد اصطلح بنو عبد مناف أن تكون الرفادة لأخيهم هاشم بدلًا من أخيه الأكبر عبد شمس الذي كان مقلًّا، كثير الولد، كثير الأسفار، قلما يقيم في مكة، بينما كان هاشم رجلا موسرا، غني من التجارة "وقيل: ضربوا بالقرعة فخرجت له". وقد ساعده غناه على القيام بالوظائف الموكلة إليه خير قيام، إذ كان يخرج في كل عام مالا كثيرا، فيثرد