ومهما يكن من أمر، فإن المنذر بن ماء السماء قد أخذ يلاحق امرأ القيس، بعد أن بسط سيطرته على المنطقة، والتجأت إليه قبيلة أسد، واحتمت به، فوجه إليه جيشًا عززه كسرى أنوشروان بفصيلة من المقاتلين الفرس الأساورة، فلم يكن من القوى التي كانت بجانب امرئ القيس إلا أن انفضت من حوله خوفًا من بطش المنذر بها، ولم يستطع أن يجد نصيرا من أية قبيلة من القبائل التي طلب مساعدتها، فهام على وجهه؛ ولذلك لصق به لقب "الملك الضليل" ثم رأى في النهاية أن يسير إلى القسطنطينية متخذًا من الملك الغساني الحارث بن أبي شمر وسيطا له عند قيصرها لينصره على أعدائه، وفي ذلك يقول:
ولو شاء كان الغزو من أرض حمير ... ولكنه عمدًا إلى الروم أنفرا
ويروى أنه في طريقه إلى أرض الروم مر على "تيماء" وفيها السموأل بن عادياء، فأودع عنده ابنته وأمواله وأدرعًا خمسة كانت لبني آكل المرار، وقد كتب له السموأل كتابا إلى الحارث بن أبي شمر. أما رفيقه في سفرته فكان كما تقول الرواية "عمرو بن قميئة" الذي سمته العرب "عمرًا الضائع" لموته في غربة وفي غير أرب ولا مطلب، وقد ذكره امرؤ القيس في شعره:
بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه ... وأيقن أنا لاحقانِ بقيصرا
فقلت له: لا تبكِ عينك إنما ... نحاول ملكًا أو نموت فنعذرا
كما يظهر من شعره أنه سلك طريق الشام ومر بحوران وبعلبك وحمص:
فلما بدت حوران والآل دونها ... نظرت فلم تنظر بعينك منظرا
لقد أنكرتني بعلبك وأهلها ... ولابن جريج في قرى حمص أنكرا
ولما وصل امرؤ القيس إلى العاصمة البيزنطية قبل القيصر مساعدته كما يروى، إذ وضع تحت تصرفه جيشًا، لكنه عدل عن مساعدته عندما أتاه رجل يسمى "الطمَّاح" كان امرؤ القيس قد قتل أخاه فلحقه إلى القسطنطينية، وأوغر صدر القيصر عليه قائلًا: "إن العرب قوم غدر، ولا تأمن أن يظفر بما يريد، ثم يغزوك بمن بعثت معه" أو -بحسب رواية لابن الكلبي- قال له: "إن امرأ القيس غويٌّ عاهر، وإنه لما انصرف عنك