يسعى لدى بكر وتغلب في سبيل الأخذ بثأر أبيه. فلما لمست قبيلة أسد الجانية استعداده لقتالها؛ حاولت استرضاءه، وأرسلت إليه وفدًا من ساداتها ظل ثلاثة أيام يحاول مقابلته، فاحتجب عنهم ثلاثة أيام ثم خرج عليهم في قباء وخف وعمامة سوداء؛ إشعارًا بأنه مطالب بثأر أبيه. ورفض جميع عروضهم، وكان منها أنهم على استعداد لكي يسدوا إليه بمن يختار من بيت أسد "أشرفهم بيتا وأعلاهم في بناء المكرمات" فيذبحه، أو أن يرضى منهم بفداء بالغ ما بلغ. ثم فاجأهم بقوله: "لقد علمت العرب أن لا كفء لحجر، وأني لن أعتاض به جملًا أو ناقة فأكتسب بذلك مسبة". وكان قسم امرئ القيس أن يقتل من أسد مائة ويجز نواصي مائة.
ولما أدركت قبيلة أسد إصرار امرئ القيس على قتالها ثأرًا لدم أبيه، هجرت ديارها فلاحقها في قوة من بني بكر وتغلب، وقاتلها حتى كثر فيها القتلى والجرحى, ولما جاء الليل فحجز بين الطرفين هربت أسد. وفي صباح اليوم التالي رفضت بكر وتغلب الاستمرار في مساعدته؛ لأنهما رأته أنه قد أخذ بثأره ولا ضرورة لمتابعة القتال، فلما أجاب بأنه لم يصب من بني أسد ما يشفي غليل الثأر في صدره، قالوا: بلى ولكنك رجل مشئوم، وكرهوا القتال معه وانصرفوا، فحاول الاستنجاد ضد أعدائه بقبائل أخرى. ولما خاب أمله فيها طلب مساعدة أحد أقيال اليمن، فأرسل معه قوة لا يتجاوز عدد أفرادها 500 رجل، وتبعه بعض شذاذ العرب، واستأجر من القبائل رجالًا، ثم سار بهؤلاء جميعًا إلى بني أسد، فظفر بهم, وأنشد:
قولا لدودان عبيد العصا1 ... ما غركم بالأسد الباسل
قد قرت العينان من مالك ... ومن بني عمرو ومن كاهل
حلت لي الخمر وكنت امرأً ... عن شربها في شغل شاغل
غير أن ثمة روايات تنفي كون امرئ القيس قد أصاب ثأره من بني أسد، كما يُفهم من أبيات لعبيد بن الأبرص:
يا ذا المخوفنا بقتل أبيه ... إذلالًا وحبنا
أزعمت أنك قد قتلت ... سراتنا كذبًا ومينا