إلى ملكه مدة من الزمن، فلما انتهت الحرب بعقد الهدنة "506م" وهدأت الأحوال استعاد ملك الحيرة -المنذر الثالث- ملكه من آل آكل المرار"1.

على أن الحارث بن عمرو بعد أن استولى على الحيرة التفَّتْ قبائل معد حوله, وتقرب رؤساؤها منه، ودانوا له بالطاعة ففرق أولاده فيهم ملوكا، إذ وضع ابنه حجرًا على أسد وغطفان وكنانة، وكانت مساكنها عند وادي الرمة بين جبل شمر وخيبر، وابنه شرحبيل على بكر بن وائل بأسرها، ومعد يكرب على قيس عيلان بأسرها، وسلمة على تغلب وما إليها.

وأما المنذر الثالث، الذي كان قد خضع له وتقرب منه وتزوج ابنته هند "عمة امرئ القيس" فإنه بعد أن انتزع ملكه منه، وكان ذلك بعد موت قباذ وتولي ابنه كسرى أنوشروان عرش فارس, قد قلب له ظهر المجن، وانتقم منه شر انتقام، فلاحقه إلى أراضي بني كلب، وأسر من عائلته أربعين شخصًا بينهم ولدان له، فذبحهم وفيهم يقول امرؤ القيس:

ملوك من بني حجر بن عمرو ... يساقون العشية يقتلونا

فلو في يوم معركة أصيبوا ... ولكن في ديار بني مرينا

وما زال المنذر يجد في طلب الحارث حتى أدركه فقتله. ويختلف المؤرخون حول هذه النقطة؛ فمنهم من يقول: إنه توفي حتف أنفه في بني كلب كما يدعي بنو كندة، بينما يدعي بنو كلب أنهم هم الذين قتلوه. وبموت الحارث انتقل الحكم إلى أكبر أولاده المسمى "حجر" ومن حينها أخذ نجم آل كندة في الأفول.

وتتواتر الروايات، مع بعض الاختلاف في الجزئيات، أن قبيلة أسد لم تكن راضية عن حجر، وأنه لم يكن يقيم بينهم دائمًا، وأن صلتهم به لم تكن طيبة، وأنهم قبلوه ملكًا عليهم على كره منهم. لذلك فإنهم لم يلبثوا أن أعلنوا عليه الثورة، ورفضوا أن يدفعوا له الإتاوة السنوية، فحاربهم وقبض على رؤسائهم وقتل كثيرا منهم، فانتقمت "أسد" منه حينما سنحت لها فرصة مواتية وقتلته2.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015