ولم يكف المنذر من جهة أخرى عن التنكيل بآل كندة، وظل يسعى إلى التفريق فيما بينهم، حتى أوقع بعضهم ببعض، فاحترب الأخوان سلمة وشرحبيل، واستمال كل منهما عددًا من القبائل إلى جانبه، وتمكن الأول من قتل الثاني1، لكنه لم يسلم من ملاحقة المنذر له، فالتجأ إلى قبيلة بكر بن وائل فملكته عليها. غير أن المنذر لم يلبث أن شن الحرب عليها في يوم "أوارة" الأول وحقق لنفسه نصرا ساحقا، وقتل سلمة مع عدد كبير من أنصاره وأحرق نساءهم.
ولما أدرك امرؤ القيس بن حجر2, الشاعر الكندي المعروف، انشغال أعمامه وإخوته بعضهم ببعض، وعجزهم عن الأخذ بثأر أبيه أخذ على عاتقه هذه المهمة، وكان أصغرهم سنًّا وأقلهم أملًا بالملك. وتذكر الروايات أن حجرا لم يكن راضيا عن ابنه امرئ القيس، فطرده وآلى على نفسه ألا يأويه في داره أنفةً من قوله الشعر، وكانت الملوك كما قيل تأنف من ذلك. وهناك روايات أخرى مضطربة عن كون السبب في طرده ناشئًا عن تغزله بامرأة من نساء أبيه كان عاشقا لها فلم يصل إليها، حتى كان منها يوم الغدير بدارة جلجل، حيث قال قصيدته المعلقة:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللوى بين الدخول فحومل
ومما جاء فيها ذكره لها وتسميتها بـ "أم الحويرث" بينما لم تكن سوى "هرا" التي قيل: إنها زوجة أبيه:
كدأبك من أم الحويرث قبلها ... وجارتها أم الرباب بمأسل
ألا رب يوم لك منهن صالح ... ولا سيما يوم بدارة جُلْجُل
تجاه مثل هذه الروايات المضطربة، لا يستطيع المؤرخ إلا أن يقف حائرًا. ولطالما