"قباذ"1 وأن الملك الفارسي قد أعانه على ملك الحيرة المنذر الثالث الذي رفض الاستجابة لطلب "قباذ" باعتناقها، فلم يكن من الحارث إلا أن احتل الحيرة وتسلم عرشها بمساعدة "قباذ"2. غير أن معظم الروايات العربية، وإن هي اتفقت حول استيلاء الحارث على الحيرة في هذه الفترة، تغفل ما روي عن اعتناقه المزدكية، لا سيما وأن الدينوري المهتم بتأريخ الفرس لا يذكرها, وهي تتفق في خطوطها الأساسية حول روايتين لابن الكلبي، ملخصهما أن الملك الفارسي قباذ كان ضعيف الإرادة يعوزه العزم والحزم، عاجزًا عن ضبط مملكته، فاستغل قبيلة ربيعة ضعفه وعجزه عن نصرة المناذرة، فوثبت على ملك الحيرة فأخرجته. وهنا تختلف الروايات حول من هو ملك الحيرة الذي تعرض للإخراج، أهو المنذر الثالث أم والده النعمان الثاني. ومهما يكن هذا الاختلاف، فالرواية تتابع القول بأن ربيعة لجأت إلى الحارث بن عمرو الكندي، وقاتلت معه حتى قتل النعمان، وظهر الحارث على ابنه المنذر الثالث، الذي اضطر إلى الانضواء إليه، بعد أن تنازل عن حقه في عرش أبيه. ولما حصل هذا اضطر قباذ إلى ملاطفة الحارث، وإقرار العمل الذي قام به. وليس في هذه الروايات ما يشير إلى اعتناق الحارث المزدكية، أو إلى رفض النعمان أو المنذر الثالث اعتناقها، وكل ما في الأمر ضعف قباذ، وعجزه عن مساعدة صاحبه النعمان، وانتهاز الحارث الذكي الفرصة لتوسيع مملكته وبسط سيطرته على مملكة الحيرة3. ويظهر أن أعداء ملوك الحيرة هم الذين أشاعوا عنه ذلك؛ للحط من قدره في نظر العرب.

غير أن الدكتور جواد علي يعلق على هذه الحوادث بقوله: "إن الحالة في العراق قد ساءت بين 503 و506م، ففي هذه الفترة وقعت الحرب بين الروم والفرس وارتبك الوضع، وشغلت الحرب عرب الحيرة عن حماية أنفسهم من الأعراب الذين كانوا يترقبون مثل هذه الفرصة السانحة. وربما كان هؤلاء قد استولوا على الحيرة، فأغار الحارث عليها، بعد أن غادرها ملكها ليحارب الروم مع الفرس، واستولى على ما كان تابعًا له، وأضافه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015