غير أن الغموض يكتنف كيفية تسنمه العرش، ويظهر أنه لم يتسنمه إرثًا من أبيه بكل بساطة وسهولة، لا بل إنه كان للتبابعة الفضل في ذلك، الأمر الذي يستدل منه أنه كان للتبابعة إشراف مستمر على ملوك كندة، ويبدو أن الاضطراب قد حل في المملكة في أواخر عهد أبيه عمرو، بخروج ربيعة عليه، فأعاد التبابعة السكينة والهدوء، وولوا الحارث بناءً على طلب من قبيلة بكر التي سادت فيهم الفوضى من جديد، فأرسل ملك حمير الحارث على رأس جيش إلى بلاد معد والحيرة، فتسنم العرش خليفةً لأبيه1.
كان الحارث أشهر وأعظم ملوك كندة، فقد استطاع أن يعيد سيطرة دولته على قبائل ربيعة، كما توسط -بعد حرب البسوس التي دامت أربعين سنة، والتي أودت بأبطال بكر وتغلب- بين القبيلتين بالصلح. واغتنم مشاكل البيزنطيين الداخلية فهاجم فلسطين, ولكن حاكمها "رومانوس" هزمه في إحدى المعارك، فلم يلبث الحارث أن شن على الروم هجوما انتقاميا هزمهم فيه، فاضطر الإمبراطور "أنستاسيوس" إلى عقد صلح معه؛ لكي يأمن هجماته على المدن السورية "502م".
وفي عهده الطويل جرى الفتح الحبشي لليمن فضعف شأن آل كندة؛ بسبب أنهم كانوا يستمدون قوتهم من ملوك حمير، فحاول الحارث التقرب من ملوك فارس, وقد عاصره منهم "قباذ". ويروي ابن الأثير أن الحارث قد اعتنق المزدكية بناء على طلب من