الاميرال ستوبفورد وَبعد ان عنفه على تذبذبه الَّذِي حصل مِنْهُ ونفاقه الَّذِي اداه إِلَى ان يتبع الاقوى شَوْكَة وَعدم حفظه للعهود امْر بارساله وتابعيه مَعَ قَلِيل من عائلته إِلَى جَزِيرَة مالطة وَلم يجبهُ إِلَى مَا طلبه من ارساله إِلَى ايطاليا اَوْ فرنسا فوصل هَذِه الجزيرة فِي 6 رَمَضَان سنة 1256 اول نوفمبر سنة 1840 وَكَانَ عمره اذ ذَاك خمْسا وَثَمَانِينَ سنة وَمضى مَا بَقِي من عمره مفكرا فِي اسباب زَوَال النِّعْمَة وَسُوء عَاقِبَة التذبذب وان الاحواط للانسان والاجدر بِهِ ان يحافظ على عهوده لانه لَو مَاتَ مَعَ الْمُحَافظَة عَلَيْهَا لمات بالشرف وَالْمجد وَلَو عَاشَ مَعَ الْخِيَانَة والتلون لعاش مَعَ الفضيحة والعار وَتُوفِّي فِي سنة 1267 سنة 1850 فِي الْقُسْطَنْطِينِيَّة وَدفن فِي غلطه
هَذَا ولنقل بالاختصار ان المراكب الانكليزية والعساكر المختلطة الَّتِي انزلت إِلَى الْبر فِي عدَّة مَوَاضِع تمكنت من اخذ جَمِيع المدن الْوَاقِعَة على الْبَحْر واخراج المصريين مِنْهَا حَتَّى لم ير مُحَمَّد عَليّ باشا بدا من الاذعان إِلَى مطَالب اوروبا وانه من الْعَبَث الْمَحْض مقاومة الدول المتحدة فاصدر اوامره إِلَى وَلَده ابراهيم باشا بِعَدَمِ تَعْرِيض عساكره لِلْقِتَالِ وَالْمَوْت بِلَا فَائِدَة وباستدعاء الْجنُود المعسكرة فِي حُدُود الشَّام والانجلاء عَنْهَا مَعَ اتِّخَاذ انواع الاحتراس الْكُلِّي من الْعَرَب وسكان الْجَبَل فَبلغ ابراهيم باشا هَذِه الاوامر إِلَى القواد جَمِيعهم واخذ الْجنُود فِي الرُّجُوع من كل فج وصاروا يتجمعون حول قائدهم الاعظم الَّذِي قادهم غير مرّة إِلَى النَّصْر وَالظفر وَبعد ذَلِك قسم الْجَيْش عدَّة فرق كل مِنْهَا تَحت امرة اُحْدُ مِمَّن اشْتهر من القواد بالبسالة والتبصر فِي عواقب الامور وَسَار الْكل رَاجِعين إِلَى مصر تاركين الْبِلَاد الَّتِي سَفَكُوا فِيهَا دِمَاءَهُمْ وَتركُوا فِيهَا قُبُور اخوانهم
وَكَانَ ابْتِدَاء الْجَيْش فِي الرُّجُوع إِلَى مصر فِي شَوَّال سنة 1256 اواسط شهر دسمبر سنة 1840 وَوصل الْكل إِلَى الْقَاهِرَة بعد ان ذاقوا مرَارَة النصب وتحملوا انواع الذل والتعب وقاسوا شَدِيد الوصب مِمَّا تكل عَن وَصفه الاقلام وَلَا تحيط بنعته الاوهام ويكدر الاذهان فضلا عَن موت كثير مِنْهُم فِي الطَّرِيق بِسَبَب مناوشات