كانت المعركة التي جرت في "9 صفر 38هـ/ 17 تموز 658م" خاطفة، لم تدم سوى ساعات، بدأها الخوراج بالضغط على الجيش العراقي، وبخاصة الخيالة، وقاتلوا ببسالة وبشكل متواصل، وهم يصرخون صرختهم العسكرية التي أضحت مشهورة في نضالهم المستقبلي "الرواح" الرواح إلى الجنة"، لكن الفارق العددي أدى دورًا كبيرًا في تحديد مسار المعركة الذي سرعان ما تحول لصالح العراقيين، كانت الهزيمة ثقيلة على الخوارج الذي تكبدوا خسائر فادحة، ولم ينج منهم سوى أربعمائة شخص سقطوا جرحى، وقد أمر علي بعد انتهاء المعركة، بنقلهم إلى الكوفة ومداواتهم، كما أمر بتقسيم الدواب، والسلاح بين العراقيين، ورد الرقيق والإماء إلى أهلهم، وفي المقابل، تكبد العراقيون ألفًا وثلاثمائة قتيل1.
الأحداث ما بعد النهروان:
تعد معركة النهروان مرحلة حاسمة في تطور الحركة الخارجية، والصراع بين علي ومعاوية، فقد استغل بعض الخارجين تنقلاتهم، في تلك المرحلة، لنشر الفكر الخارجي، واستقطاب أنصار جدد لمواجهة علي مرة ثانية، وتزعم هذه التحركات هلال بن علفة في ماسبذان، وأبو مريم السعدي في شهر زور، الذي نجح في استقطاب أربعمائة كلهم من الموالي ليس فيهم من العرب إلا خمسة، وأبو مريم سادسهم، وبذلك دخل الموالي إلى دائرة الصراع لأول مرة؛ لأن الحركة الخارجية اقتصرت حتى ذلك الوقت على المسلمين العرب2.
وانتهت سلسلة هذه التحركات مع "بداية عام 39هـ/ صيف عام 659م" بنجاح علي في القضاء عليها وذلك بسبب تشتتها، لكنها ساهمت في إضعاف قواته، وزادت في عدد الناقمين عليه، وعززت في المقابل مواقع معاوية السياسية، والعسكرية من خلال توسيع دائرة نفوذ خارج بلاد الشام، كما دفعت بعض العناصر الخارجية إلى الإقدام على قتله مما خلق وضعًا جديدًا سيؤثر على الحركة الخارجية بخاصة، وعلى الأمة الإسلامية بعامة، وسيشكل خوراج القرن الأول الهجري، العدو الرئيسي للخلافة الأموية3.
والواضح أن الجبهة العراقية قد اهتزت أركانها بعد الدعوة إلى التحكيم، وانهارت