ويبدو أن الأمر كان مخططًا له منذ البداية، بدليل تجاهل حقوق علي من جانب أبي موسى، وطرح عمرو ترشيح معاوية للخلافة، وقد اكتسب هذا الأخير دفعًا معنويًا في الوقت الذي أضحى فيه موقف علي ضعيفًا، وبدا وكأنه مجرد من منصبه، وصلاحياته حيث عدت الصفعة قوية لطموحاته وآماله، على الرغم من أن موقف أبي موسى كان متوقعًا، الأمر الذي دفعه إلى محاولة الإبقاء في دائرة الضوء معترفًا به كأمير المؤمنين من جانب شيعته على الأقل، ولقد نجح في ذلك إلى حد ما، لكن سلطته تعرضت للاهتزاز حتى من جانبهم، فهو غير مطاع، وغير مسموع الكلمة في مجال نفوذه.
من هنا يمكن تفسير رواية أبي مخنف، التي ربما وضعت لاحقًا لإنقاذ موقف علي ودعم قضيته، تذكر الرواية أن عمرًا خدع أبا موسى بطريق الدهاء السياسي، وبخاصة تقديمه عليه في الكلام لإعلان الاتفاق الذي تواصلا إليه، وهو خلع كل من على معاوية، وترك الأمر شورى للمسلمين، وقد جاء ذلك على صيغة بيان أذاعه أبو موسى "أيها الناس، إنا قد نظرنا في أمر هذه الأمة، فلم نر أصلح لأمرها، ولا ألم من شعثها من أمر قد أجمع رأيي ورأي عمرو عليه؛ وهو أن نخلع عليًا ومعاوية، وتستقبل هذه الأمة هذا الأمر، فيولوا منهم من أحبوا عليهم"، فخلع أبو موسى كلًا1 من علي ومعاوية في حين خلع عمرو عليًا وثبت معاوية1، والمعروف أن هذه الرواية ارتقت إلى مستوى الخبر الشائع المقبول2.
إن استعراض المصادر لأحداث التحكيم، كما أوردتها رواية أبي مخنف، يفرغه من محتواه، ويصوره حيلة محبوكة حول الشخصية الملائمة لتولي منصب الخلافة، هل هو عبد الله بن عمر أم عبد الله بن عمرو أم معاوية، دون التطرق لاسم علي بالمطلق، فكيف يتناقش الحكمان حول اسم الخليفة فقط مع أن هذا الأمر لم تتضمنه وثيقة التحكيم؟ الراجح أن الحكمين تناولا جوانب الخلاف بين علي ومعاوية، وفقًا لما تضمنته وثيقة التحكيم، الأمر الذي يؤكد بتر المصادر بعض الأجواء من الروايات التي سجلت أحداث المؤتمر، وذلك بهدف إظهار القضية بمظهر الخداع، والتآمر على علي وحقه3.
والواقع أن القول بأن عمرًا خدع أبا موسى الذي سارع إلى اتهام ابن العاص بأنه