أحجم عن تأكيد الاتفاق بحرفيته "غدرت وفجرت"1 لا يعكس الصورة الصحيحة في الرواية التاريخية، إذ لم يكن من السهولة على عمرو أن يخدع على هذا النحو شيخًا له تجربة طويلة في السياسة مثل أبي موسى، مهما بلغت الحنكة، والبراعة في المناورة، لكن الواضح أن أبا موسى الذي اختارته الأكثرية اليمنية في جيش علي، كان غير متحمس لخوض معركة الدفاع عن شرعية الخليفة، دون أن يكون بالمقابل مقتنعًا بأهلية معاوية للخلافة، وهنا اختلف مع عمرو بشأن نظرية الرجل الثالث، إلا أن هذا الأخير ظل وفيًا لصاحبه، وما لبث أن التحق به، وسلم عليه بالخلافة2، وظلت خديعة عمرو مشهورة في التاريخ الإسلامي بوصفها فضيحة، وعارًا لا يمكن محوه، ولكن يعترف بفعاليتها،

وأثرها في مجرى التاريخ الإسلامي المقبل.

رد الفعل الأولي على نتيجة التحكيم:

تفاوت رد الفعل الأولي على نتيجة التحكيم بين معارض، ومؤيد وفقًا لمصلحة كل طرف، فعندما نقل شريح بن هانئ، وعبد الله بن عباس إلى علي ما جرى بين الحكمين؛ لام أشياعه لإجبارهم إياه على اختيار أبي موسى الأشعري، وأوضح أنه لا سبيل إلى قتال القوم حتى تنتهي المدة المحددة، وأضاف بأن الحكمين نبذا حكم القرآن وراء ظهريهما، وأحييا ما أمات القرآن3، وكتب إلى أبي موسى: "إنك امرؤ ضللك الهوى، واستدرجك الغرور"4.

وأعلن الحسن بن علي أن الحكمين أرسلا ليحكما بالقرآن على الهوى، فحكما بالهوى على القرآن، وهاجم بشدة اقتراح أبي موسى جعل الأمر لعبد الله بن عمر، مخالفًا بذلك رغبة عمر بن الخطاب الذي لم يرض ذلك لولده، ولم يره أهلًا له5.

ورحب معاوية من جهته بنتيجة التحكيم، وكتب لأبي موسى، وهو في مكة يستقطبه ويستدعيه إلى بلاد الشام، "فأكره من أهل العراق ما كرهوا منك، وأقبل إلى الشام، فإني خير لك من علي، والسلام"6.

وهكذا رفض علي نتيجة التحكيم من واقع أن الحكمين أظهرا خلافهما، ولم يحكما بمقتضى القرآن، ولم يستند في رفضه إلى خدعة تمت، ولا إلى عيب شكلي،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015