لا يصلحه إلا رجل له ضرس1، يأكل ويطعم، وكانت في ابن عمر

غفلة"1.

وهكذا، فإن الحكمين انحرفًا عن هدف المؤتمر، وهو إنهاء حالة الحرب بين المسلمين، والتوصل إلى اتفاق يضع حدًا لانقسامهم، وانتهت المناظرة عند هذا الحد، وافترق الحكمان دون التوصل إلى نتيجة إيجابية، فعاد عمرو إلى معاوية، وغضب أبو موسى، واتخذ طريقه إلى مكة حتى لا يواجه غضب علي بسبب تغييبه بشكل كامل، وتجاهله له على امتداد المناظرة مع إصراره على رفض معاوية، وهو كان يرغب في إيجاد مخرج لتجاوز الفتنة، واتهم عمر بالانحياز2.

ومن المحتمل أن يكون أبو موسى قد ترك الأمر شورى بين المسلمين يختارون لأنفسهم من أحبوا3، بعدما حاول جمع المسلمين حول اسم ابن عمر، إذ إن دراسة أسباب تمرد الخريت بن راشد في عام "38هـ/ 659م" ضد علي يدعم، إلى حد ما، هذا الاحتمال، حين قال له: "لأنك حكمت في الكتاب، وضعفت عن الحق، إذ جد الجد، وركنت إلى القوم الذين ظلموا أنفسهم، فأنا عليك زارٍ، وعليهم ناقم"4.

فهل الحق الذي ضعف عنه علي هو أنه لم يقبل حكم أبي موسى الذي يقضي بترك اختيار الخليفة إلى الشورى بين المسلمين؟ وبخاصة أن الخريت أكد أنه لم يرض عليًا، ولا سيرته "فرأيت أن أعتزل، وأكون مع من يدعو إلى الشورى من الناس"5.

وربما أدى إصرار عمرو على ترشيح معاوية إلى وقوع الخلاف، لكن ما الذي يبرر تصرف كهذا مع خلو الوثيقة إلى ما يشير إلى ذلك، والحكمان ليسا مجلس شورى؟

والواقع أن هناك أمرًا لا يمكن تجاهله، وقد ورد في وثيقة التحكيم، وهو قبول علي بمحو لقبه كأمير للمؤمنين، مما جعله يتساوى مع معاوية، أو مع أي شخص آخر.

وهكذا شغر منصب الخلافة، نظريًا على الأقل، ورأى الحكمان أن من واجبهما التدخل لملئه، لكن ذلك لم يؤد إلا إلى توسيع المسافة بين الخصمين من واقع وجود قوتين متنازعتين، قوة أهل العراق وقوة أهل الشام، وعلى رأس كل قوة رئيس معترف به، مما شكل وضعًا لا يمكن تجاوزه، لذلك كان التحكيم شأنًا شكليًا، يسوغ وقف القتال، ويبرر الوحدة الضمنية للمسلمين6.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015