يجاهرون برفضهم للتحكيم في الأماكن العامة، وفي المسجد الجامع، كما كانوا يقاطعون خطب الخليفة، ويستفزونه برفع شعاراتهم، واتهموه بالكفر والشرك، وتمادوا حين هددوه بالقتل1.
واجه علي هذه التصرفات بصبر كبير، ولم يحاول، على الرغم من هذه الاستفزازات، إنزال العقاب بهم، كما لم يمنعهم الفيء، ودخول المساجد ولم يتصد لهم ما لم يفسكوا دمًا2، مبررًا تصرفه بحرصه الشديد على تجاوز الخلافات، وتجنب حصول انقسام في معسكر؛ لأن من شأن ذلك أن يضعف موقفه في مواجهة خصمه الرئيسي معاوية.
وبعد أن فشلت محاولات ثنية عن قراره عقد الحرورية اجتماعات مكثفة في منازل عبد الله بن وهب الراسي، وشريح بن أوفى العبسي، وزيد بن حصين الطائي3، وقرروا الخروج من الكوفة، وظهرت أفكار جديدة عبرت عنها هذه الجماعة، فقد شبهت الخروج من الكوفة بهجرة الرسول من مكة إلى المدينة، وابتعاده عن كفار قريش4، من هنا تسمية الخوارج أنفسهم بالمهاجرين، وتسمية الكوفة بالقرية الظالم أهلها، كما كفروا المخالفين لهم وتبرأوا منهم. وهكذا، فبعد أن شمل التكفير في حروراء معاوية وأنصاره، أضحى، بعد قرار إجراء التحكيم، يشمل الخليفة وأتباعه5.
والواقع أن ربط الحرورية مواقفهم السياسية بالدين، سيدفعهم إلى تبني فكرة الخطأ الديني، وتكفير من يخالفهم ومحاربتهم، وسيعدون ذلك واجبًا مقدسًا؛ لأنهم "أهل الحق"6، ولعل أوضح الأمثلة على ذلك هو إعدامهم الصحابي عبد الله بن خباب، وامرأته بعد محاكمة سريعة7.
مؤتمر التحكيم ونتائجه:
عقد الحكمان اجتماعًا واحدًا في أذرح في شهر "محرم 38هـ/ حزيران 658م"، وأحاط بكل واحد منهما قوة عسكرية من أعوانه، مؤلفه من أربعمائة شخص كنوع من الحراسة، رأس القوة العراقية شريح بن هانئ في حين قاد عمرو بن العاص القوة الشامية8.