ومهما يكن من أمر، فقد أقلقت الحرورية عليًا، لذلك حاول إقناعهم بالحجة للعودة إلى الكوفة، فأرسل إليهم عبد الله بن عباس، ثم انتقل بنفسه إلى حروراء، وتمدنا روايات المصادر بتفاصيل مسهبة عن المناظرات، والنقاشات التي دارت بينهم، وبين مبعوث علي، ثم بينهم وبين علي نفسه1، والتي أسفرت عن اقتناعهم، فعاد معظمهم إلى الكوفة وبخاصة العناصر القيادية، منهم مثل عبد الله بن الكواء اليشكري أمير الصلاة، وشبث بن ربعي أمير الحرب، ويزيد بن قيس الأرجحي رأس الجماعة2.
ويبدو واضحًا من خلال تتبع أسماء العائدين أنهم من العناصر اليمنية التي أيدت عليًا، من النخع ومذحج وهمدان وغيرها، وبذلك أضحى أبناء القبائل الأخرى، وبخاصة تميم يشكلون الأغلبية في المجموعة المتبقية، وقد افتقر هؤلاء للشرف القبلي وللزعامة السياسية، هذا بالإضافة إلى بقاء خمسة عناصر من اليمنية في حروراء من بينهم عبد الله بن وهب الراسبي الذي ستختاره المجموعة لقيادتها، مما دفع بعض الباحثين إلى وصف الحرورية بأنها حركة بدو تزعمها أعراب يرفضون، بحكم طبيعتهم البدوية، الخضوع للحكم المنظم3.
ويحتمل أن يكون العائدون قد اشترطوا على علي، للعودة إلى الكوفة، إقراره بذنبه في قبول التحكيم، وإعلان توبته، وتذكر المصادر الخارجية، أنه عبر بالفعل عن توبته، كما وعدهم باستئناف الحرب ضد معاوية بعد أن يجبي المال ويسمن الكراع، وأكدت المصادر غير الخارجية ذلك، لكن ختمت الرواية بالقول: "ولسنا نأخذ بقولهم، وقد كذبوا"4.
لم تدم إقامة الحرورية -المحكمة- في الكوفة طويلًا، فقد تعرض علي لضغط من قبل الأشعث والأشراف، أو أنه لم يشأ أن يتنصل من التزاماته، وتعهداته تجاه أهل الشام، فتراجع عن تعهداته تجاه الحرورية، مقدرًا أن تبقى حركتهم محصورة في نطاق نواتها المتشددة بعد أن استقطب سوادها، وكان قراره بإرسال أبي موسى الأشعري لإتمام إجراءات التحكيم، كافيًا لتفجير الوضع من جديد.
وفعلًا، فقد اتخذ الخلاف في هذه المرحلة بعدًا أكثر عنفًا، حين راح الحرورية