والواضح أن هؤلاء قاموا بنشر معتقداتهم بطريقة جيدة، وبفعل حججهم المقنعة، ومن واقع إعادة قراءة كالمة لأحداث الفتنة، استقطبوا عددًا آخر من المقاتلين العراقيين من خارج دائرة القراء، كانوا في البداية مع التحكيم، فأضحى عددهم اثني عشر ألف رجل1، والمعروف أن عددهم في بداية تحركهم لم يتجاوز أربعة آلاف رجل، مما يدل على اتساع دائرة الرفض للتحكيم.
واختار الحرورية عند استقرارهم في حروراء أميرًا على الصلاة هو عبد الله بن الكواء اليشكري، وآخر على الحرب هو شبث بن ربعي التميمي2، ويدل ذلك على استعدادهم للمواجهة العسكرية إذا دعت الضرورة، ويذكر أن استعمال القوة لمواجهة المخالفين أضحى أمرًا مألوفًا منذ مقتل عثمان، كما رفعوا شعارات جديدة مثل: "الأمر شورى بعد الفتح"، و"البيعة لله عز وجل" و "الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر"3، وهو ما تميزوا به على المستوى الفكري، أما على المستوى السياسي، فإن مرحلة حروراء سوف تغدو هامة لحاضرهم ومستقبلهم.
قد تبدو تلك الشعارات المطروحة متقدمة على الخلافة ذاتها، لا سيما رفضهم الضمني لسيادة قريش عندما اختاروا عبد الله بن وهب الراسبي، وهو أزدي من اليمن، خليفة عليهم4، متجاوزين لأول مرة القاعدة المتداولة منذ بيعة السقيفة، فهل يمكن ربط التوجه الاقتصادي، والسياسي لهؤلاء بما جرى من أحداث سابقة حين ثارت القبائل التي انفصلوا عنها على الخلافة، مطالبين بحقوقهم التي شعروا بانتهاك الولاة لها؟ 5.
الواقع أن الثورة التي اندلعت في الكوفة في عام 33هـ، تحمل في طياتها البذرة الجنينية للثورة على سلطة قريش في ظل خلافة عثمان، من خلال مشاركة الخوارج، أو بعضهم في هذه الثورة، وإذا كان علي قد نجح في استقطاب هذه القبائل الثائرة بعد تلك الفتنة، فإن ذلك كان آنيًا فقط، وتمكن من امتصاص نقمتها حين شغلها بالحروب، من هذه الرؤية التي تنطوي على شيء من الحقيقة يمكن تفسير موقف الخوراج من التحكيم، على الرغم من أنهم شكلوا حركة سياسية مختلفة اتخذت التطرف الديني منهجًا لاستقطاب الأتباع، وفرض آرائها بالقوة6.