أوراقه تباعًا، ويتراجع إلى أن يصبح ومعاوية ندين متنافسيين على الخلافة، بعد أن كان قبل ذلك يقاتله بوصفه خارجًا على حكمه1.

ودعا علي قواته بعد يومين من إنجاز وثيقة التحكيم، للعودة إلى الكوفة، بعد أن أمر بدفن القتلى، وإطلاق سراح الأسرى، فعاد إلى الكوفة في شهر "ربيع الأول 37هـ/ تموز-آب 657م"2.

محاورة المحكمة، وظهور فرقة الخوراج:

لم يكن الرافضون للتحكيم قد لقبوا بعد بالخوارج، فإنهم لم يكن قد انفصلوا عن جيش علي حين غادر صفين عائدًا إلى الكوفة، غير أن عودتهم كانت مفعمة بالنقاشات العنيفة والمشادات، فقد رجعوا متباغضين، أعداء يتشاتمون ويتضاربون بالسياط، وأقبل بعضهم يتبرأ من بعض، الأخ من أخيه، والابن من أبيه3، متجاوزين روابطهم العائلية، والقبلية والإقليمية من أجل رابطة أخرى، عقدية، كاهتداء شخصي إلى الحقيقة، وخرق لرواسب الدم؛ مما يدل على عمق تأثير الحادثة في نفوسهم، وقد عبروا عن رفضهم بشعار: "لا حكم إلا لله، الذي سيصبح بدءًا من تلك اللحظة وعلى امتداد قرون، الشعار الأساسي للخوارج، والقاعدة التي ستقوم عليها عقيدتهم، وقد ورد تفسير هذا الشعار في العديد من الدراسات4، ويتفق معظم الباحثين على القول: إنه يعبر عن رفض هذه الجماعة للتحكيم بوصفه من اختصاصات الله وحده، ولا يحق للبشر أن يتدخلوا فيه، ويتوافق هذا التفسير مع المدلول اللغوي لكلمة "حكم" بمعنى القضاء وفصل النزاع، ومع ما ذكره القراء أثناء النقاش الذي دار بينهم، وبين ابن عباس، وعلي بعد صفين.

والواقع أن الجماعة الرافضة للتحكيم، انفصلت عن جسم الجيش العراقي عندما وصل إلى الكوفة، وتوجهت إلى حروراء5، واستقرت فيها معلنة رفضها الإقامة في المصر مع الخليفة الذي لم يلب مطالبها حيث بدأ يتبلور مفهوم "الخروج" بمعنى مغادرة المكان الذي يقيم فيه المخالفون6، ومن هنا تسميتهم بالحرورية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015