منه، بالإضافة إلى أنه رجل تقي يثق به أهل العراق، وأهل الشام، وهو على مسافة واحدة من كلا الطرفين المتنازعين1.
والواضح أن اختيار أبي موسى الأشعري أحدث نقلة نوعية سلبية في الصراع، وشكل منعطفًا حاسمًا في موقف جيش العراق، وذلك بفعل أنه تحول إلى الحياد في النزاع بين علي ومعاوية، وهو الموقف القديم للكوفيين الذين تنكروا لعلي في وقعة الجمل، ويبدو أن هذا الانقلاب جاء نتيجة خيبة أمل العراقيين من تحقيق النصر.
وثيقة التحكيم:
كتب الطرفان بينهما وثيقة التحكيم يوم الأربعاء لثلاث عشرة خلت من شهر صفر عام 37هـ، كتبها عبد الله بن رافع، كاتب علي، وعمير بن عباد الكناني، كاتب معاوية، وتتضمن تسليم الطرفين المتنازعين أمرهما لحكم القرآن، وأن الحكمين المذكورين في النص2، ملزمان بالتقيد بحكم القرآن أيضًا، وحدد الأجل بثمانية أشهر ينتهي في شهر "رمضان 37هـ/ شباط 658م"، وبقي مكان اللقاء غامضًا "مكان وسط بين أهل الكوفة، وأهل الشام"، قبل أن يتأرجح بين دومة الجندل، وأذرح الأكثر توسطًا3، والملفت في هذه الوثيقة أمران:
الأول: أنها تجاهلت القضية الأساسية التي ارتكز عليها صراع علي ومعاوية، وهي القصاص من قتلة عثمان، ويبدو أن معاوية نجح في تحويل المسألة إلى قضية سياسية بينه، وبين علي في الصراع على السلطة، وعلى هذا النحو سيتطور التحكيم.
الثاني: رفض معاوية كتابة "أمير المؤمنين" بجانب اسم علي، لعدم اعترافه بذلك، ولم يصر علي على ذلك مما عد تنازلًا منه عن الخلافة؛ لأنه وضع نفسه على قدم المساواة مع معاوية، ولم يعد سوى رئيس العراقيين وشيعتهم، تمامًا مثلما كان معاوية زعيم أهل الشام وشيعتهم، وقد أتاحت هذه الخطوة طرح مصطلح الشورى، وعزز من إصرار معاوية على تطوير محاور صراعه مع علي، وأعطاه غطاء شرعيًا للخروج على خلافته، وعدم الاعتراف بها4.
وهكذا، من خلال حلقات جاءت متعاقبة، ومتداخلة بدءًا بقبول التحكيم إلى فرض أبي موسى الأشعري ممثلًا له، إلى التخلي عن إمرة المؤمنين؛ كان علي يفقد