يحكم بيننا وبينكم"، وسوف يترتب على ذلك مسألتان مترابطتان، ومتعاقبتان في الزمن الأولى وقف القتال، والثانية اللجوء إلى التحكيم، وإذا كنا قد تحدثنا عن المسألة الأولى، فسوف نبحث هنا المسألة الثانية.

والواقع أن رغبة السلام كانت قوية لدى غالبية جيش علي لدرجة أن هؤلاء تقبلوا المفاوضات الأولية التي جرت بين الأشعث، ومعاوية لوضع أسس التحكيم التي آلت إلى اختيار حكمين للنظر في الخلاف بمقتضى القرآن، ويبدو أن هذه القضية هي التي أثارت عامة القراء أو بعضهم، ودفعتهم إلى رفضها. وهكذا تبدل موقفهم مباشرة بعد اتفاق الطرفين على قبول وقف الحرب، وقبل الخوض في التفاصيل الخاصة بعملية التحكيم، وقد بلغ عدد الرافضين زهاء أربعة آلاف "من ذوي بصائرهم، والعبّاد منهم"1.

والراجح أن هؤلاء الرافضين لمبدأ التحكيم، اعتقدوا، حين امتثلوا لحكم القرآن، أن دورا ما سيوكل إليه لإصدار الحكم من خلال مضمونه، مع رفضهم تدخل البشر في هذا الحكم، أو أنهم كانوا يطرحون مسبقًا أن القرآن يدين معاوية؛ لأنه يمثل الفئة الباغية، ولا بد من قتاله، وأن رفعه المصاحف

كان نوعًا من الاستسلام2، أو أنهم أدركوا أنهم تسعروا كثيرًا في هذا الأمر الذي حمل في طياته بشائر النصر لمعاوية، مما يهدد مصالحهم بشكل أعظم من ذي قبل، ومنذ هذه اللحظة حصل حصل الانقسام في جيش علي2.

وعندما جال الأشعث بن قيس بين المقاتلين ليروج لفكرة التحكيم، تعرض للاغتيال، حيث اندفع الرافضون أمامه يصرخون أمامه يصرخون في وجهه "لا حكم إلا الله"، فعرفوا بالمحكمة، وأعلنوا توبتهم عن قبول وقف القتال، وطالبوا عليًا أن يستأنف الحرب3.

ومهما يكن من أمر، فئقد جرى اختيار حكمين هما: أبو موسى الأشعري ممثلًا عن أهل العراق، وعمرو بن العاص ممثلًا عن أهل الشام، وإذا كان هذا الأخير يعد حليفًا قويًا لمعاوية، فإن الأول يجسد التوجه الحيادي الذي لازمه في الكوفة من قبل، حين دعا الكوفيين إلى عدم مبايعة علي الذي عزله، كما كان قد حذر من الفتنة، والواقع أنه فرض على علي من جانب الأشتر، وأغلبية المقاتلين الذين عارضوا رغبته في اختيار عبد الله بن عباس، ويبدو أن لذلك علاقة بمدى قرابته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015