ويبدو التأثير الشيعي واضحًا في ما تقدمه بعض روايات المصادر من صورة علي البطل الخارق ذي القوة الجسدية الهائلة، ورجل المآثر والمواقف الصعبة، والذي قابل الإساءة بالإحسان، إذ سمح لقوات الشام بالوصول إلى ماء الفرات في الوقت الذي أصر معاوية على منع أهل العراق من الوصول إليه، الحريص على دماء المسلمين، إذ حاول إقناع معاوية بوقف القتال، ولم يؤذ النساء، ولم يأخذ أموال أهل الشام بغير وجه حق، وهو الرجل المتسامح الذي يأمر بإطلاق سراح الأسرى، وتصور قادته بأنهم ذوو مهارات عسكرية خارقة، ومقاتلون متميزون مخلصون، يرفضون خيانة قائدهم ومصرهم، ومستعدون لبذل أرواحهم ثمنا لانتصاراتهم، وتصور معاوية، في المقابل، بالرجل الذي فرط بدماء المسلمين، ويرفض الاستجابة لدعوات علي المتكررة بالموادعة ووقف القتال، ويحث قواته على القتل والتنكيل، ويفتقد إلى المزايا العسكرية التي تؤهله ليكون قائدًا، فهو يخشى مبارزة علي، وسرعان ما يفكر بالفرار من ساحة المعركة عندما يشتد ضغط الجبهة العراقية على قواته، ولا يشارك معسكره في القتال بل "يجلس وعلى رأسه رجل قائم، معه ترس ذهب يستره من الشمس، وهو إنسان مخادع عديم الرحمة، يعرض الرشوة باستمرار على قيادات علي وجنده بهدف سلخهم واستقطابهم، كما أنه يرفض دفن جثث القتلى العراقيين، ويدعو إلى قتل الأسرى، وتتصف قيادات عسكره بالجبن والخداع، وفي مقدمتهم عمرو بن العاص الذي اقترح فكرة رفع المصاحف بهدف وقف القتال بعد أن مالت كفة المعركة لصالح علي، وتصف قبائل الشام بالمترددة؛ لأنها لا تقاتل عن إيمان، وإنما تقاتل عن حمية، وأبرزت أن موازين القوى في ساحة المعركة كانت لصالح علي في حين أن معسكر معاوية كان على وشك الهزيمة1.
والواقع أن هذا الأمر لا يمكن قبوله، وبخاصة أن مختلف الروايات قدمت معلومات مهمة عن الأوضاع الصعبة التي كان يعانيها طرفًا القتال في المعركة.
التحكيم وظهور فرقة المحكمة:
كان رفع المصاحف من قبل مقاتلي أهل الشام بمثابة دعوة إلى التعقل، ووقف القتال بين المسلمين، واتخاذ القرآن حكمًا بين الطرفين المتخاصمين "كتاب الله