العاص إلى عبد الله بن عباس يقول: "فوالله ما أبقت هذه الحرب لنا ولا لكم حياة وصبرًا، وأعلم أن الشام لا تهلك إلا بهلاك العراق، وأن العراق لا تهلك إلا بهلاك الشام"1، وفي المقابل مال مقاتلو العراق إلى الموادعة، وقالوا: "إن هذه الحرب قد أكلتنا، وأذهبت الرجال، والرأي الموادعة"2.
إن قراءة متأنية لمضمون نداءات المصالحة، والموادعة توضح اختلاطها بقيم الدين والشرف، والعرض والتعصب للأمصار، مع ملاحظة تراجع الأثر الديني في أداء الدور الرئيسي فيها، وفي هذه الأجواء، رفع مقاتلو الشام المصاحف، فتوقف القتال3، أما الاعتقاد بأن جيش الشام كان على وشك الهزيمة والانهيار، وأنه رفع المصاحف تخلصًا من هذا المأزق؛ فهو اعتقاد مبالغ فيه، هناك رواية واحدة مصدرها أبو مخنف توهم أن الأشتر كان يأمل النصر حيث قام بعملية اختراق في صفوف جيش الشام، وأنه كان يسير نحو النصر.
والواقع أن غالبية قوات علي وافقوا على وقف القتال4، من واقع تعبير قادتهم له حين استشارهم "لم يصب منا إلا وقد أصيب مثلها منهم، وكل مقروح، ولكنا أفضل بقية منهم"5، فأدرك عندئذ أن الوضع الميداني لقواته أضحى حرجًا بسبب الإرهاق الشديد الذي أصابهم، وأنه لم يعد باستطاعتهم المضي في القتال؛ فاتخذ قرارًا بوقف الحرب، أما إبراز أنه وافق مكرهًا بفعل ضغط القراء، أو فئة منهم أو يضغط الأشعث بن قيس، وهو قد دعا قواته إلى تجاهل النداء والاستمرار في القتال بفعل أن فكرة رفع المصاحف خدعة ومكيدة6، فأمر لا يمكن القبول به، وبخاصة أنه قدم نفسه منذ البداية على أنه رجل سلام، وكان لديه شعور صادق تجاه الحل السلمي منذ ما قبل اندلاع القتال.
إن إعادة قراءة أحداث معركة صفين أمر مهم جدًا لرصد وضع كل طرف، ولا شك بأن عليًا، ومعاوية أدارا المعركة بشكل ناجح، وحرصًا على الحفاظ على دماء المسلمين ما أمكن، على الرغم من كثرة عدد القتلى، وتمييز علي بالشجاعة، والصبر في حين ظهر معاوية كقائد سياسي محترف.