واشتبك الطرفان في حرى معركة طاحنة، ستتحمل الأجنحة ثقلها، تبادل المتقاتلون خلالها الكر والفر، وتأرجحت الكفة بين النصر والهزيمة من واقع ضغط الطرفين كل على الآخر، ووصلت إحدى الهجمات العراقية إلى جوار معاوية، ووصف يوم الخميس 12 صفر بأنه اليوم الأطول، وأطلق على ليله اسم الهرير، وقتل فيه ذو الكلاع، وعبيد الله بن عمر، وعمار بن ياسر وهاشم بن عتبة، وهو المرقال حامل لواء علي1، وكثر القتل بفعل اشتداد المواجهة، وأمام خامة المجزرة خشيت العرب على نفسها من القتال والهلاك، ولاح في الأفق أن نهاية الدولة الإسلامية بات وشيكًا، والواقع أن المسلمين جميعًا كانوا يتقاتلون، وتتمزق الأمة دون أي أفق في انتصار طرف على آخر، فالكفتان متوازنتان والقتال سجال2، واستفاقت قيادات الطرفين على هول الكارثة، وانطلقت نداءات سلمية من وسط القتال، "ألا تذكرون الأرحام، أفنيتم لخم الكرام، والأشعريين وآل ذي حمام، أما تذكرون أهل فارس، والروم، والأتراك"، "من لثغور الشام بعد هلاك أهل الشام؟ ومن لثغور العراق بعد هلاك أهل العراق، من للذراري والنساء"3.

وأدرك مقاتلوا الشام بأنهم يسيرون نحو الإبادة المتبادلة، فنادوا بالبقية، أي وقف القتال خوفًا من زوال الجميع "لقد أكلتنا الحرب، ولا نرى أننا سنغلب أهل العراق إلا بفناء أهل الشام"، ويبدو أن معاوية لم يكن مستعدًا للتضحية بأهل الشام للوصول إلى غاية، وتبين له أنه لن يكون هناك غالب ومغلوب، ومن هذه الرؤية دعا القادة العراقيين إلى وقف القتال، فكتب إلى علي يقول: "أما بعد، فإني أظنك أن لو علمت أن الحرب تبلغ بنا، وبك ما بلغت لم يجنها بعضنا على بعض، وإن كنا قد غلبنا على عقولنا، فلنا منها ما نذم به ما مضى، ونصلح ما بقي، فإنك لا ترجو من البقاء إلا ما أرجو، ولا تخاف من الفناء إلا ما أخالف، وقد والله رقت الأجناد، وذهبت الرجال"4.

كما كتب إلى ابن عباس يقول: "وأدالت هذه الحرب بعضنا من بعض، حتى استوينا فيها، فما أطمعكم فينا، وما أيأسكم منا أيأسنا منكم، وقد رجونا غير الذي كان، وخشينا ما وقع، ولستم ملاقينا اليوم بأحد من حدكم أمس، وقد منعنا بما كان منا الشام، وقد منعتم بما كان منكم العراق، فاتقوا الله في قريش"5، وكتب عمرو بن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015