ثمانين إلى مائة ألف مقاتل1، وانحدر بها إلى صفين على شاطئ الفرات الغربي قرب الرقة؛ لأن ذلك هو الطريق الطبيعي الذي سيسلكه جيش علي ليصل إلى بلاد الشام، ووصل إليها في "أول ذي الحجة 36هـ/ 21 أيار 657م"، واستقر فيها، وساعدته الظروف البيئية من سهولة الأرض، وملاءمة المناخ وقرب الفرات2.
كان علي يعسكر في النخيلة على بعد ميلين من الكوفة استعدادًا للانطلاق إلى بلاد الشام، وطلب منه بعض قادته بإعطاء المفاوضات فرصة أكبر، كما طلب منه آخرون بالمسير مباشرة لقتال معاوية، وآثر هو الواجهة السريعة لحسم الوضع، فغادر النخيلة إلى الصراة، ثم المدائن فالأنبار فالرقة فصفين، فوصل إليها بعد بضعة أيام من وصول معاوية، وقد بلغ عدد قواته ما بين تسعين إلى مائة ألف مقاتل3.
وشهد شهر ذي الحجة مبارزات فردية، ومناوشات جماعية محدودة قبل أن يتوقف القتال في شهر "محرم 37هـ/ حزيران 657م"، ربما بضغط القاعدة التي كانت ترغب في السلام، ويبدو أن حرص الطرفين على الاحتفاظ بقدر معين من التفاهم يكتسب أهمية بالغة في التطورات اللاحقة، إذ يظهر الرغبة الكامنة لدى أهل الشام، والعراق في المصالحة، وبخاصة أن كل طرف كان يتخالط مع الطرف الآخر، ويدخل معسكره وسط جو من حسن الجوار4.
استمرت الهدنة شهرًا واحدًا تخللها اتصالات، ومفاوضات على أمل الوصول إلى اتفاق ينهي النزاع، ويحقن دماء المسلمين، لكن التصلب في المواقف حال دون ذلك5، والواقع أن اندفاع قيادات الطرفين للقتال قابله حرص من سواد رجالهما على أن تكون المواجهة بينهما محدودة خشية من هلاك المسلمين6.
ويبدو من تفاصيل التعبئة حرص طرفي النزاع على أن تواجه كل قبيلة من قبائل الشام أختها من أهل العراق، إلا أن تكون قبيلة ليس منها بالشام أحد، فصرفها إلى قبيلة أخرى تكون بالشام ليس منها أحد في العراق، مثل بجيلة التي لم يكن منها في الشام إلا عدد قليل، فصرفهم إلى لخم7.