المجتمع البصري بهذه السهولة، حيث الفرز قام على أساس قبلي في توزيع القوى التي راعت مصالحها الخاصة قبل الانخراط في هذا الاتجاه أو ذاك، ومن هذه الرؤية فإن السيطرة على البصرة لم يكن بالأمر اليسير على المتحالفين. وأثبتت عائشة مقدرة التفوق حيث وضعت حدًا للجدل، ونجحت في شق صفوف الكتلة المؤيدة للوالي الذي أظهر ضعفًا عليه لومًا شديدًا من الخليفة1.
وتسارعت الأحداث، وأفلت زمام الأمور من يد الوالي، وتدخلت أطراف ليس لها شأن في الصراع حيث شهر الزط2، والسيابجة3 السلاح في وجوه المتحالفين، وانتهى الأمر بسيطرة المتحالفين على البصرة، وقبض على عثمان بن حنيف، وزج في السجن قبل أن يطلق سراحه بعد تدخل عائشة، وطورد الأشخاص الذين اشتركوا في غزو المدينة وقتل عثمان، وكانت الوقعة في "24 ربيع الآخر 36هـ/ 20 تشرين الأول 656م"4.
لم تكن السيطرة على البصرة نهاية المطاف بالنسبة لقوى التحالف، إذ لم يكن الهدف الأساسي الاستيلاء على مصر، بل تطبيق أحكام الدين نحو الشريف والوضيع، كما أنهم أرسلوا رسلًا إلى أهل الشام وأهل الكوفة، وأهل اليمامة وأهل المدينة يحثونهم على الإسراع في تطبيق حدود الله على القتلة، وعلى عدم مساعدة أولئك الذين يحمونهم، ويدافعون عنهم5، أي عدم مساعدة علي، وهذا خروج واضح على السلطة الشرعية، وقدموا أنفسهم كحماة للدين، وكمنفذين لأحكامه متجاوزين اختصاصات الخليفة، وبالتالي فإنهم كانوا أصحاب قضية سياسية مغلقة بإطار ديني، تستهدف الأمة كلها، قد تؤدي لو نجحت إلى اعتلاء السلطة العليا، لكنهم ظلوا محصورين ضمن نطاق البصرة التي لم يساندهم كل أهلها، حتى أن معظم الذين ساروا وراءهم واتبعوهم، بايعوهم فقط على المهمة المحددة التي كانوا قد أخذوها على عاتقهم.
سيطرة علي على الكوفة:
قرر علي مغادرة المدينة بصورة نهائية ممهدًا لذلك باتصالات مكثفة مع قبائل الكوفة6، لتكون الأخيرة مقرًا له، فهي في نظره مستقر أعلام، ورجال العرب7،