لقد قرر الوالي عثمان بن حنيف التمسك بولاته لعلي، فجيش الناس وعبأهم حوله، وحاول منع دخول قوى التحالف إلى البصرة بقوة السلاح، لكن موقفه كان ضعيفًا بفعل انقسام المجتمع البصري حول نفسه، كما أن المحاورات التي دارت في المربد كانت تنتشر من خلال الاهتياج، والاضطراب والتعبئة الشعبية1، وتحولت المجابهة الكلامية إلى مواجهة عسكرية مسلحة حيث جرت اشتباكات في دار الرزق، إحدى ساحات البصرة، وقع فيها قتلى وجرحى2، ثم أعلنت هدنة، ووجدت صيغة وفاق تتعلق بإرسال رسول الله إلى المدينة للتحقق مما إذا كان طلحة، والزبير قد بايعا عليًا كما يزعمان بالإكراه والقوة، فإذا كان الأمر صحيحًا فما على الوالي إلا أن يخلي لهما الساحة، وإذا لم يكن صحيحًا، فما عليهما إلا الرحيل3.
وهكذا نقلت القضية، بشكل مفاجئ، إلى مجال آخر، مجال السلطة الشرعية ووجوب طاعتها، لكن عليًا كان قدر غادر المدينة قبل أن يصل الرسول إليها. كان في ذي قار بين الكوفة، والبصرة ساعيًا إلى استقطاب مقاتلة الكوفة إلى جانبه، ولتكوين جيش لنفسه، فوبخ عامله في رسالة بعثها إليه؛ لأنه انساق إلى هذه المكيدة، ودافع الوالي عن تصرفه بأنه يريد كسب الوقت منتظرًا قدومه شخصيًا للدفاع عن سلطته، وعن وحدة المسلمين، وأنه تأخر في القدوم، ولم يكن لديه القوة الكافية لطرد المتحالفين من البصرة، ومع ذلك، فقد جرى اقتحام البصرة، وقتل الكثير من المسلمين، وهنا نجتد توسيعًا رهيبًا لمفهوم القتلة بحيث شمل كل الذين اقتحموا المدينة4، وسوف تؤدي هذه الأحداث إلى التصلب في المواقف، وإلى الحرب الأهلية، مما جعل قبائل برمتها تنفر من قضية كانت تبدو مبررة في البداية، فقد رفضت قبيلة بني سعد بن تميم، وهي عثمانية في الأصل، تسليم أحد أبنائها، وهو حرقوص بن زهير، أحد المشتركين في اقتحام المدينة ومقتل عثمان، وبتأثير من رئيسهم الأحنف بن قيس قرروا الانسحاب من المعركة، ووقفوا على الحياد في النزاع الذي كانت تلوح تباشيره، وغضبت عبد القيس التي لم تنكث بيعتها لعلي بعدما فقدت الكثير من أبنائها، وخرجت من البصرة مع كثير من البكريين لكي تنضوي تحت لواء علي5، فكانوا ستة آلاف رجل جاهزين للحرب.
والواقع أن هذه الدعوة الإصلاحية المرتبطة بمقتل عثمان ما كان لها أن تخترق