مضيعًا سيحتجون علينا فيه ببيعة علي بن أبي طالب، فتنهضينهم كما أنهضت أهل مكة، ثم تقعدين، فإن أصلح الله الأمر، كان الذي تريدين وإلا احتسبنا، ودفعنا عن هذا الأمر بجهدنا حتى يقضي الله ما أراد"1، وهكذا استقر الأمر على الذهاب إلى البصرة لحث أهلها على مساعدة قوى التحالف في معاقبة قتلة عثمان، والمعروف أن بعض من اشترك في قتل عثمان تفرقوا في الأمصار بعد مبايعة علي.
لم تستطع قوى التحالف حشد قوة كبيرة في الحجاز، فقد اقتصر المنضمون إليهم على سبعمائة رجل من أهل المدينة ومكة، لكن انضم إليهم بعض المؤيدين حتى بلغوا ثلاثة آلاف1، ففاجأوا حذر علي، وسبقوه إلى العراق الذي اختاروه أرضصا للمواجهة، وعسكروا في المريد وهو ساحة البصرة الخارجية، حيث جرت محاورات طويلة كان على قادة التحالف تبرير تحركهم، من خلالها، فتكلم طلحة أولًا، فاسترجع موضوع العدوان على عثمان، وعلى البلد الحرام، وضخم فضيحة الإثم وطالب بدم عثمان؛ لأنه حد من حدود الله، إذ في ذلك إعزاز لدينه، وسلطانه، ولن يتم إصلاح هذه الأمة إلا بتنفيذ ذلك. فالواضح إذن أن المرجعية إسلامية؛ لأن الله أمر بقتل كل قاتل، وهذا واجب قرآني مفروض على كل مسلم، وهو أيضًا واجب سياسي؛ لأن المسلمين سيستعيدون، من خلال القصاص، وحدتهم وتماسكهم وقوتهم، وتكلم الزبير بمثل ذلك2، وكانت مسألة السلطة العليا مغيبة، فلم يعلنا خلع علي كما لم يعلنا نفسيهما خليفتين، واكتفيا بدورهما كمنصفين يهدفان إلى إصلاح الأمة، وتكلمت عائشة كذلك، فاسترجعت الموضوعات السابقة، وطلبت منهم المساعدة لمعاقبة قتلة عثمان حسب الشرع3.
ويبدو أن المجابهة الكلامية كانت لغير مصلحة الوالي، إذ انسحب قسم من المقاتلة الذين كانا معه، وانضموا إلى قوات التحالف، والواقع أن المجتمع البصري كان منقسمًا آنذاك إلى قسمين:
الأول: التزم القتال مع علي، وساند الوالي عثمان بن حنيف، وعلى رأسه حكيم بن جبلة من بني عبد القيس4.
الثاني: تعاطف مع المتحالفين، وانضم إلى صفوفهم5.