وسارعت عائشة إلى تحديد موقفها من الخليفة، فقد كانت في مكة عندما قتل عثمان، وانتخب علي، وبعد انتهاء موسم الحج غادرت مكة في طريقها إلى المدينة، وتلقت أخبار ما جرى فيها من الأمويين الذين هربوا إلى مكة، فقفلت راجعة إليها، وفصلت البقاء فيها، وأطلقت منها دعوة للتنديد بعملية القتل. والواضح أنها تأثرت بالدعاية الأموية التي كانت ناشطة آنذاك، وكونت رأيًا أحادي الجانب، وساندها والي مكة المعين من قبل عثمان، والذي كان لا يزال في منصبه، وهو عبد الله بن عامر الحضرمي1، والمعروف أن المكيين لم يبايعوا عليًا، متأثرين بنفوذ عائة، وبالتالي بقيت مكة خارج إطار سلطة الخليفة.

وتذرعت عائشة بأن المدينة واقعة تحت سلطة غوغاء الأمصار وبدو نهابين، وعبيد آبقين، وأنهم هم الذين ارتكبوا جريمة القتل بعد أن حصلوا من عثمان على وعد بالتراجع عن سياسته السابقة، وبالتالي لا شيء يبرر عملهم العدواني، "فسفكوا الدم الحرام، واستحلوا البلد الحارم، وأخذوا المال الحرام، واستحلوا الشهر الحرام"2، وأن الأمر لا يستقيم، ولهذه الغوغاء أمر "فاطلبوا بدم عثمان تعزوا الإسلام"3، ومن المثير أن يكون هذا النداء من جانب عائشة على الثأر لعثمان في وقت كانت بعيدة عن المدينة حين حوصر، وقتل ومن دون أن تكون من قبل علي وفاق معه4.

وهكذا أبرزت عائشة فكرة أن عثمان قتل مظلومًا، والتي ستكون أساس كل المطالب لصالح قضيته سواء من جانبها، أو من جانب معاوية في وقت لاحق، أو من طرف أنصار عثمان في مصر، والواضح أنها ركيزة إسلامية شرعية أن تطالب بالقصاص لدم عثمان وفقًا لشرع الله، وهي تتوافق في هذا المقام مع موقف طلحة والزبير، إنه تعبير صادق عن طلب الحق، والعدل فيما لا يمكن التسامح به، ولا يمكن قبوله، وهو نداء إيلامي في المقام الأول، وسياسي في المقام الثاني؛ لأنه يتضمن إنكار شرعية علي التي قامت وسط هذا الجو الضاغط، ولكن هذه القضية لم تطرح صراحة، ولم يقدم توجه عائشة نفسه كمؤامرة، ولا كثورة على علي، إنما وبوصفها أما المؤمنين، فهي تمنح نفسها مسئولية تجاه أبنائها الذين يشكلون جمهور المسلمين5.

وإذا كان لنا أن نحدد دور الدوافع الشخصية مثل إرادة القوة، والرغبة في التقدم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015