وفي المقابل، نجح علي في الحصول على تأييد الأغلبية في الأمصار، فالبصريون كانو منقسمين حول الموقف الواجب اتخاذه من مقتل عثمان، لكنهم قبلوا الوالي الجديد الذي أرسله علي، في حين رفض الكوفيون استقبال الوالي الجديد، وتمسكوا بواليهم الخاص أبي موسى الأشعري، إلا أنهم بايعوا عليًا، وانقسم المصريون على أنفسهم، فقبلت الأغلبية استقبال والي علي، لكن تكونت نواة من المتربصين من ذوي النزعة العثمانية المطالبين بالثأر لدم عثمان، لكنهم لم يتحركوا مفضلين موقف الاعتزال1.
وهكذا ساد القلق والاستياء كافة الأمصار من واقع الاستنكار لمقتل عثمان، لكن المسلمين حاولوا الحفاظ على وحدتهم من خلال الوقوف الحذر وراء الخليفة2.
بيد أن موقف معاوية الرافض، على خطورته، لم يكن الشاغل الوحيد للخليفة، إذ نمت في أوساط بعض الصحابة أن عليًا يتهاون في معاقبة قتلة عثمان، فئقد ذهب كل من طلحة، والزبير مع نفر من أهل المدينة، إلى علي، بعد أربعة أشهر من مقتل عثمان، وطلبوا منه إقامة الحد على قتلته3، لكن هذه القضية لم تكن من أولويات علي الذي كان يعمل على تهدئة الجو، واستقرار الأوضاع، وتثبيت أقدامه في الحكم، أولًا، بحجة أنه لا يسيطر على الوضع العام، وأن الأمور لا تزال بأيدي الثائرين والغوغاء، وعبيد أهل المدينة وأعرابها، وخاطبهم قائلًا: "إني لست أجهل ما تعلمون، ولكني كيف أصنع بقوم يملكوننا ولا نملكهم"4.
ويبدو أنهما لم يقتنعا بوجهة نظره، إذ إن تطبيق مبادئ الإسلام، وحدود هي من الأولويات، فاستأذناه في الخروج إلى مكة لأداء العمرة، فأذن لهما، على الرغم من وعيه لمدى ما يمكن أن يشكلاه من خطر على شرعيته5، ثم اتخذا من الأسلوب الذي تمت فيه التغييرات الأخيرة ذريعة للاحتجاج والمعارضة، فقد طلبا من الخليفة أن يشركهما في هذا الأمر، فقد كانت لطلحة رغبة في ولاية البصرة، وكانت للزبير رغبة في ولاية الكوفة، إلا أنه رفض ذلك، وقال لهما: "تكونان عندي فأتحمل بكما، فإني وحش لفراقكما"6، لكن معارضتهما بقيت ضمن الإطار الاحتجاجي، ولم تأخذ طابع العمل الفعلي إلا بعد اجتماعهما بعائشة في مكة.