بالتريث في هذا المر حتى تهدأ الأوضاع وتستقر، وتتوطد له أسباب الحكم، ثم ينظر ما يكون1.

والراجح أن عليًا أدرك ذلك، إلا أن موقف الثائرين في المدينة، والجو العام في الأمصار المشحون بالنقمة؛ كان ضاغطًا، بالإضافة إلى ذلك فإن مبدأ التغيير كان يعني الشمولية وعدم التجزئة2، كما كان شديدًا في الحق لا يستطيع أن "يراهن في دينه"3، ولم يكن بوسعة أن يلجأ إلى مهادنة ولاة عثمان، والمعروف أن خلع عمال عثمان كان أحد مطالب الثائرين، والمعارضين من القبائل في الكوفة، والبصرة ومصر، لهذا كانه إبعاد عمال عثمان عن الوظائف العامة مسألة مبدئية تصعب المساومة عليها، فالقضية لم تكن أساسًا قضية أشخاص، بل قضية مبدأ ونهج وتصور، بالإضافة إلى أنه كان لا يثق بهم، ولا يمكنه التعامل معهم بفعل اختلاف وجهات النظر بشأن ممارسة الخلافة4.

ومن خلال هذه الرؤية السياسية التي جاءت متسرعة، وهذا الموقف المتصلب، صدر الأمر بعزل ولاة عثمان، واستبدالهم بفئة جديدة غير متورطة في السياسة، وليست لأسمائها شهرة كبيرة خارج المدينة، فبعث قثم بن العباس واليًا على مكة، وعثمان بن حنيف واليًا على البصرة، وعمارة بن شهاب واليًا على الكوفة، وعبيد الله بن العباس واليًا على اليمن، وقيسًا بن سعد واليًا على مصر، وسهلًا بن حنيف واليًا على الشام5.

إن نظرة متأنية إلى أسماء هؤلاء الولاة، تطلعنا أنهم بأكثريتهم ينتمون إلى مجموعة الصحابة التي اتصفت بدرجة عالية من الزهد والتقشف، ولم ترتكز على جاه، أو شرف أو نسب أو مال؛ بمعنى أنهم ينتمون إلى الشريحة الاجتماعية المغايرة للشريحة "الأرستقراطية" الغنية.

والتف حول علي كبار أعلام بني طالب وبني هاشم، مثل عبد الله بن عباس ومحمد بن جعفر، ومحمد بن الحنفية، بالإضافة إلى شخصيات صحابية كبرى مثل محمد بن أبي بكر، وسليمان بن صرد الخزاعي، وأبي قتادة بن ربعي وأبي أيوب الأنصاري، وعمار بن ياسر وغيرهم.

ظهور المعارضة السياسية:

لم يصادف الولاة الجدد عقبات تذكر، باستثناء ما كان منتظرًا من معاوية والي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015