كان علي يرى أنه الأجدر بتولي منصب الخلافة نظرا لقرابته من النبي، والتصاقه به، ولكنه كان يشعر أنه محكوم بمجرى الأحداث لا سيما بالدور الموكل إلى عبد الرحمن بن عوف زوج شقيقة عثمان من أمه، والذي كان له تأثير على سعد بن أبي وقاص المنتمي إلى العشيرة نفسها، ويذكر أن العباس عم النبي، وعم علي كان متخوفًا من أن تخرج الخلافة مرة أخرى من يد عشيرته، فنصح عليًا بعدم الاشتراك في الشورى، لكن عليًا الذي كان يكره الخلاف1 آثر القيام بمسعى لدى سعد بن أبي وقاص، ويبدو أنه نجح في ذلك2، فهل كان هذا الأمر هو الذي بدل طابع الشورى أم بدل خوف عبد الرحمن بن عوف من أن يرى استمرار الفراغ دون التوصل إلى نتيجة طالما كانت المطامع كبيرة؟ 3.
استشار عبد الرحمن بن عوف صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن وافى المدينة من أمراء الأجناد، وأشراف الناس كما ذكرنا، ثم دار متنكرًا لا يعرفه أحد، واستشار عامة المهاجرين، والأنصار وغيرهم من ضعاف الناس4، فأشار عليه الجميع بعثمان، فاقتنع عندئذ بأن وجوه قريش وعامتها، وقادة الجند يريدون عثمان خليفة عليهم.
والواقع أن بني أمية أدوا دورا نشطًا في توجيه "الرأي العام" نحو عثمان، ونظموا دعاية واسعة له، بهدف تعزيز نفوذهم الذي فقدوه بعد فتح مكة، ونجحوا في استعادته جزئيًا في عهد أبي بكر وعمر، فقد تنافسوا مع بني هاشم في تعاقب خطبائهم على منبر مسجد النبي5.
كان هناك إذن تياران متنافسان مرتبطان بالسابقة في الإسلام، وبروابط الدم:
الأول: عشيرة النبي الأقربون الذين كان علي مرشحهم.
الثاني: قرشي متصل بالقابلية على التمثيل الأفضل لقريش، وبالتالي مقرب من الأمويين، وكان عثمان مرشحهم.
ثم إن مفهوم البيت الذي جرى طرحه لتمييز عثمان، وعلي كان يفسر بالمعنى الواسع، معنى بيت عبد مناف، وليس بالمعنى الضيق بيت بني هاشم، وكان هذا يناسب أغلبية الصحابة الذين خشوا من تفسير ضيق لمفهوم البيت أن تؤسس ملكية وراثية على حسابهم لصالح البيت الهاشمي6.