تروي المصادر أنه في اليوم الثالث، وفي ظل بوادر انقسام بين المسلمين خيف أن يتفاقم، قرر عبد الرحمن بن عوف حسم الأمر، وفي المسجد النبوي، وأمام جمع من المهاجرين والأنصار، وقادة الجند وممثلي الأمصار؛ نادى عثمان وعليًا وسألهما على التوالي إن كانا بعد انتخابهما سيتبعان سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر وعمر، وتجنب حمل أقاربهما على رقاب الناس، فأجاب علي بتحفظ متعللًا بأنه سوف يبذل جهده، وطاقته مستيعنًا بالأمناء، والأقوياء من بني هاشم وغيره، وأضاف أن عليه الاجتهاد قدر الإمكان: "لا أحمل عهد الله وميثاقه على ما لا أدركه، ولا يدركه أحد، من ذا يطيق سيرة رسول الله، ولكني أسير من سيرته بما يبلغه الاجتهاد مني، وبما يمكنني وبقدر علمي"1، أما عثمان فقد أعلن موافقته على شرط عبد الرحمن بن عوف قائلًا: "اللهم نعم"، "علي عهد الله وميثاقه، وأشد ما أخذ على أنبيائه، ألا أخالف سيرة رسول الله وأبي بكر وعمر في شيء، ولا أقصر عنها"2؛ مما دفع عبد الرحمن بن عوف، وأصحاب الشورى، وعامة الناس إلى مبايعته3.
قد تدعو روايات المصادر هذه للتساؤل: فهي تعطي عبد الرحمن بن عوف ذريعة صالحة لإعلان عثمان بدلًا من علي خليفة على المسلمين، وتبرز اختيارًا يبدو أنه قد تم قبل ذلك، وتقدم عليًا كأنه مجدد له نهجه الخاص، وفهمه لسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، مما قد يختلف عن نهج الخليفتين السابقين، وهو أمر ربما نسب إلى علي في وقت لاحق، كما أن شرط عبد الرحمن للترجيح بين المتنافسين قد يكون تصريحًا طلب من عثمان وحده بعد اختيار الأغلبية له4، ويبرزه، وكأنه أكثر الأعضاء، توافقًا مع التحولات المنشودة، فهو إلى جانب كونه واحدًا من النخبة في الإسلام، كان ينفرد عن الآخرين بانتمائه إلى البيت الذي كاننت له الزعامة الفعلية إبان ظهور الإسلام، ذلك البيت الذي بات يمثل، بعد اغتيار عمر، أحد أقوى مراكز النفوذ في الدولة الإسلامية5.
والواقع أن ما جرى من مشاورات مكثفة داخل مجلس الشورى وخارجه، وما أحاط بهيئة المجلس من اتصالات خارجية، كانت بعيدة عن الشورى في الشكل والمضمون.