وفكاهة، وخشي إن هو تولى الخلافة أن يحمل بني عبد المطلب على رقاب الناس، إلا أنه أكد في الوقت نفسه على ثقته بمقدرته، ونزاهته في الحكم "إن ولوها الأجلح سلك بهم الطريق"1.

يبدو أنه من الصعب الأخذ بهذه الروايات؛ لأن عمر نفسه هوالذي اختار أعضاء مجلس الشورى لكونهم من أبرز الشخصيات العامة، الأمر الذي يثير التساؤل بشأن ما نسب إليه من انتقادات وجهها إليهم، والواقع أنها مهمة تؤكد التزام عمر بما تم إنجازه في حصر الخلافة في قريش بين المهاجرين الأولين.

عقد مجلس الشورى اجتماعه الأول بناء على رغبة عمر قبل وفاته، إلا أن أعضاءه اختلفوا فيما بينهم؛ لأنهم كلهم كانوا يطمحون للسلطة، ولم يتوصلوا إلى نتيجة2، وعقد الاجتماع الثاني بعد وفاة عمر، وقد أشارت روايات المصادر إلى عدم اتفاق أعضاء مجلس الشورى على رجل منهم، ووقعوا في مأزق حقيقي، لم يخرجوا مه إلا بمبادرة عبد الرحمن بن عوف الذي أخرج نفسه من إطار المنافسة، ومجال الاختيار، إلا أنه اشترط أن يتركوا له حرية الاختيار، وأخذ عليهم يمين المبايعة لمن يختار، وأعطاهم عهدًا "أن لا يميل إلى هوى، وأن يؤثر الحق، وأن يجتهد للأمة، وأن لا يحابي ذا قرابة"3، ولهذا السبب فقدت الشورى طابعها كمجمع، وفقد المجلس طابعه كجهاز انتخاب مباشر، إذا فوض لعبد الرحمن أن يختار عنه وباسمه، وتحول الانتخاب إلى تعيين من قبل شخص واحد من أعضاء مجلس الشورى، وأضحى محصورًا، وفي المقابل غدًا واسعًا بما سيقدم عليه عبد الرحمن من مشاورات، فقد لجأ هذا الصحابي إلى مشاورة المسلمين، واستطلع رأي أهل المدينة، وقادة الجند الذين توافدوا على المدينة، وأشراف الناس، لكي يعرف من تود الأمة أن تجتمع عليه بعد عمر.

وبما أن القضية قرشية منذ بدايتها، فقد كان واضحًا أن مشاورة الناس تعني في نهاية المطاف مشاورة قريش، ولا يمكننا أن نتجاهل في هذا المقام، الحقيقة التي تحدثت عنها روايات المصادر، والتي لا يمكن استيعاب مآل مجلس الشورى، واختيار عثمان إلا على ضوئها، ألا وهي أن قريشًا ملت شدة عمر، وطالبت باستبدال هذه الشدة باللين، وبفك الحصار، والقيود عنها4.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015