على أن الاعتراضات في اجتماع السقيفة نحت اتجاهًا قبليًا، فقد خشيت الأوس أن يتزعم خزرجي الأمة الإسلامية، وكذلك خشيت الخزرج من أن يترأس أوسي حكم المسلمين، وقد أنهت هذه المفارقة موقف
الأنصار ودورهم، الأمر الذي أدى إلى مبايعة أبي بكر كأمر واقع، أو فلتة1 على حد قول عمر بن الخطاب.
وتحرك أبو بكر في تلك اللحظة مستغلًا تحول الموقف لصالح المهاجرين، فلم ينح لأحد من المتكلمين التعليق على كلام بشير بن سعد، ورأى الفرصة سانحة لإقفال باب المناقشة، فدعا المجتمعين إلى مبايعة عمر بن الخطاب، أو أبي عبيدة بن الجراح، أمين هذه الأمة، ولكن عمر أبى إلا أن يتولاها أبو بكر، أفضل المهاجرين، وثاني اثنين إذ هما في الغار، وخليفة رسول الله على الصلاة، فطلب منه أن يبسط يده ليبايعه، فسبقه بشير بن سعد، وأسيد بن حضير، ثم أقبل الأوس والخزرج على مبايعته، ووثب بعد ذلك أهل السقيفة يبتدرون البيعة، وكأنهم كانوا يترقبون أن يأخذ أحدهم زمام المبادرة، ولم يبق أحد لم يبايع سوى سعد بن عبادة، وما منعه من ذلك سوى حراجة وضعه كزعيم رشحته الخزرج، وصحة جسمه حيث كان عليلًا، وفي اليوم التالي لهذه البيعة الخاصة، بويع أبو بكر البيعة العامة في المسجد2.
وهكذا تولى المهاجرون السلطة الفعلية في الوقت الذي ابتعد الأنصار عنها كثيرًا دون أن يكون للتسوية التي طرحها أبو بكر في اجتماع السقيفة: "نحن الأمراء وأنتم الوزراء"، أي نصيب من التنفيذ، باستثناء مشاركة تمت لهم في عهد عمر بن الخطاب الذي قرب جماعة منهم على حساب قريش، ومشاركة أكثر فعالية في عهد علي بن أبي طالب الذي اعتمد عليهم في إدراته وحروبه.
جرت هذه الوقائع في الوقت الذي كان فيه علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، ونفر من بني هاشم، وطلحة بن عبيد الله، مشغولين بجهاز النبي، ودفنه، فغابوا عن اجتماع السقيفة، وعليه، لم يكن لعلي رأي مباشر في النقاش إلا أنه بايع أبا بكر، واتفق مع جماعة المسلمين بغض النظر عن المدة التي قضاها بدون بيعة3.
وربما يكون من المفيد استعراض الكيفية التي حدثت بها مبايعة أبي بكر من قبل القرشيين، فقد ذكر ابن قتيبة: "وإن بني هاشم اجتمعت عند بيعة الأنصار، إلى علي بن أبي طالب، ومعهم الزبير بن العوام رضي الله عنه، وكانت أمه صفية بنت عبد