لقد فضل أبو بكر وحدة الأمة التي أسسها النبي، والسابقة في الجهاد من أجل الإسلام، وحدد الأولوية بالأقدمية في حياة الإسلام، وبالعذاب في سبيل العقيدة والإيمان، وقدم قاعدة الصحبة كمعيار لاختيار الأفضل، ثم أشاد بمزايا الأنصار، ولم يغمطهم حقهم من التكريم، إلا أن ذلك يأتي في المرتبة الثانية.
وتضمنت الخطبة الأسباب الموجبة ليكون المراء من المهاجرين محصورة في أنهم أول من عبد الله في الأرض، وآمن بالله وبالرسول، وهم أولياؤه وعشيرته، وأحق الناس بهذا الأمر من بعده، لا ينازعهم في ذلك إلا ظالم.
ويبدو أنها رد على مقالة سعد بن عبادة التي قالها في الأنصار قبل حضور المهارجين، وكررها الحباب بن المنذر، وهي صفة جعلت كثيرًا من المسلمين يتراجعون عن المطالبة بالحكم خشية من أن يكون ظالمًا لا سيما أن توقيت إثارة هذه المطالب لم يكن مناسبًا؛ لأن الوضع كان مفعمًا بالحزن، والألم نتيجة وفاة النبي، ولكن هناك صراعًا خفيًا يكاد يعصف بالأمة الإسلامية يتمثل في اعتقاد أهل النبي، وعشيرته بأحقيتهم بهذا الأمر1.
وهكذا كانت السابقة في جانب المهاجرين من زاوية إسلامية محض، وكان التفوق في جانبهم أيضا من وجهة نظر عربية محض؛ لأنهم ينتمون إلى قبيلة قريش، قبيلة النبي، وبالتالي فإن الوراثة في جانبهم2.
إذن لا انقسام للسلطة، بل وحدة الأمة، وتفوق قريش، وأولوية المهاجرين، ومواصلة العمل النبوي.
وحتى انتهاء أبي بكر من إلقاء كلمته التي وجهها إلى الأنصار، لم يكن المهاجرون قد استقروا على تحديد الشخص الذي سيتولى هذا الأمر، ويدل ذلك على أن اهتمامهم كان بالمبدأ، وليس بالأشخاص، على عكس الأنصار الذين كانت رؤيتهم واضحة، وقدموا مرشحهم سعد بن عبادة.
بيعة أبي بكر:
تطورت المواقف المتباينة التي عرضت في اجتماع السقيفة نحو التأزم، ولم تنفرج إلا بعد أن أيد بشير بن سعد الأنصاري أبو النعمان بن بشير، وهو من الخزرج، موقف المهاجرين3، ويبدو أنه استاء من تولية سعد بن عبادة، ويدل ذلك