المحصنة كقواعد حماية لجنودها، والانطلاق لمناوشة المسلمين مع تجنب خوض معارك مكشوفة، مما قلص حركية القوى البيزنطية، وجعل المبادرة بيد المسلمين، إذ إن توزيع القوى في مدن مستقلة حال دون التعاون فيما بينها حيث شغلت كل مدينة بالدفاع عن نفسها، وأضعف قدرتها على مجابهة خصومها، وخلقت في نفوس سكانها عقلية دفاعية، ومع ذلك فقد كانت هزيلة مما يسر للمسلمين فتحها كما سنرى، وكان هرقل قد جمع سكان دمشق، وأمرهم أن يقفلوا الأبواب إقفالًا وثيقًا، وأن يأتمروا بأمر القائد الذي سيعينه عليهم، وشجعهم على الاهتمام بالدفاع عن أنفسهم.

بعد أجنادين:

اختلف الرواة والمؤرخون حول ما حصل بعد أجنادين، ويقول الطبري في ذلك: "ومن الأمور التي تستنكر وقوع مثل هذا الاختلاف الذي ذكرته في وقته لقرب بعض ذلك من بعض"1، ويمثل التاريخ الحولي للأحداث التي سوف أتحدث عنها إحدى المشكلات، التي لم يجر التوصل إلى حل لها في تاريخ صدر الإسلام، والروايات الواردة عند المؤرخين المسلمين متناقضة فيما بينها، وسوف انتهج خلال هذا البحث الترتيب الذي أراه أقرب إلى الصحة، والواقع من خلال النقد التاريخي للمصادر كلما أمكن ذلك.

يروي الأزدي أن خالدًا سار بالمسلمين بعد أجنادين إلى دمشق2، وذكر المدائني وسيف أنه بعد أجنادين كانت اليرموك، ثم دمشق وفحل معًا3، في حين تذكر روايات كثيرة أخرىأنه بعد أجنادين كانت فحل بالأردن4، غير أن منطق الأحداث من خلال ترجيح الروايات التي أوردها الأزدي بفعل أنها أوثق بصفة عامة، كما أنها مقبولة، يحملنا على الاعتقاد بأن المسلمين قصدوا دمشق بعد أن انتهوا من معركة أجنادين.

الاصطدام في مرج الصفر:

توجه المسلمون إلى دمشق بعد أن فرغوا من أجنادين، عبر الجولان، ولما وصلوا إليها ضربوا عليها حصارًا مركزًا، فعكسر خالد تجاه دير صليبا، والذي عرف فيما بعد بدير خالد، وهو على مسافة ميل من الباب الشرقي، وعسكر أبو عبيدة على باب الجابية في حين نزل يزيد على جانب آخر من دمشق5، ولم يشترك جيش

طور بواسطة نورين ميديا © 2015