مناقشة هادئة انتهت إلى القول بالثنائية في الحكم "منا أمير ومنكم أمير"1.

كان الحباب بن المنذر صاحب هذه النظرية، وجاءت كجواب على الرفض القاطع للمهاجرين في تفرد الأنصار بالإمارة دون سواهم، معللًا رأي هؤلاء بقوله: "منا أمير ومنكم أمير، فإنا والله ما ننفس هذا الأمر عليكم أيها الرهط، ولكنا نخاف أن يليه أقوام قتلنا آباءهم وإخوانهم"2.

حاول الجاحظ أن يشرح موقف الأنصار، وسلوكهم في اجتماع السقيفة وبخاصة في ما يتعلق برأيهم في ازدواجية الإمارة، وهو يفهم كلام الأنصار: "منا أمير ومنكم أمير"، كما لو أنهم أرادوا أن يقولوا: "لا بد لنا معشر الأنصار من أمير على أي حال، وأنتم بعد أعلم بشأنكم، فأقروا عليكم من بدا لكم، وليس في هذا طعن على خاصة أبي بكر، كما أنه ليس فيه تأكيد لإمامته دون غيره"3.

موقف المهاجرين:

كان المهاجرون آنذاك أكثر بعدًا عن هذا المناخ السياسي، بعضهم قد شغل بوفاة النبي وجهازه، ودفنه، وبعضهم ما تزال الصدمة تملأ نفسه، وبعضهم لم يفكر في اختيار خليفة، معتقدًا أن هذا الأمر هو آخر ما يقع الاختلاف فيه، وهم على يقين أن ما من طائفة من المسلمين سوف تنازعهم في هذا الأمر4.

ولما بلغ خبر اجتماع السقيفة أبا بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، مضيًا إلى هناك مسرعين، بفعل أهمية وخطر الموضوع المطروح من مشكلة الحكم، والتقيا في طريقهما أبا عبيدة بن الجراح فأخذاه معهما، وشكل هذا الثلاثي جماعة متماسكة، ربما منذ المرحلة المكية من الدعوة، فهم ينتمون إلى عشائر قرشية صغيرة، وكان هذا سببًا لتقاربهم، وقد واجهوا خصوصية متفردة لم تكن قادرة على خلافة النبي في عمله التوحيدي.

وشق أبو بكر طريقه إلى صدر الاجتماع، وألقى خطبة في المجتمعين بين فيها وجهة نظر المهاجرين عامة من قضية اختيار خليفة لرسول الله5، وهي تختلف في مضمونها عن خطبة سعد بن عبادة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015