ثم يقول: فلو اشتغل هؤلاء القوم- بدل هذه الكتب سيكتب تاريخ البشر وحياة الأمم لاناروا عقولهم واطلقوها من ذلك السجن تكتشف من خبايا الأيام وخفايا الطبيعة وما يعود على الإنسانية عامة وبني جنسهم خاصة بالفوائد الجليلة.

إن النفس الوطني في كتاب ـ[تاريخ الجزائر في القديم والحديث]ـ واضح، فنحن نشمه ونعز عليه في كل ابواب الكتاب، بما فيها الباب الذي خصصه لجغرافية الجزائر الطبعية.

ففي الفقرة الثامنة من هذا الباب- وهي التي تحمل عنوان "الغابات والنباتات الطبيعية" يقول على الاخص:

"ليس في استطاعه احد ان يحصي نباتات الوطن الجزائري. ولكنها على كثرة اصنافها، وعظم فوائدها، لا ينتفع بها الجزائريون إلا انتفاعا بسيطا.

فلو علموا خصائصها واحيوا علم الكيمياء لخدموا الطب خدمات جليلة، وكان لهم البقاء في الميدان الإقتصادي. وليس هذا بالأمر الوحيد الذي فرط فيه شعبنا. فمتى ينتبهون من هذه النومة التي كاد أمرها يجاوز أمد نومه القبر؛ فيتلافون ما فرطوا فيه ويجدون فيما تكاسلوا عنه".

وإذا كان القارئ قد استخلص من هذه الفقرة نتيجة يأس مطلق، فإن الشيخ مبارك يسارع في الفقرة الموالية الى تأكيد الإيمان بالمستقبل، رغم حاضر مظلم، فيقول:

"لا يمكن أي أحد أن يتكهن باليوم الذي تبعث فيه الأمة الجزائرية من مرقدها، فإن المستقبل لله وحده، ولكن لا نيأس من هذا اليوم الميمون فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون. ويختم باب الجغرافية الطبيعية بجملة لا تحتاج الى تعليق، هي قوله:

"بل كون وطنه (أي الجزائري) بتلك الدرجة من الحسن مما يزيد في حسرته، ويحمله على تدارك هفوته الى التفكير في غده وبناء صرح سعادته بيده".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015