لقد صدر الجزء الأول من هذا الكتاب، في صيف 1928، أي قبل عامين من احتفال الفرنسيين بمرور قرن على الإحتلال، ومعنى ذلك أن العمل من أجل إيقاظ الروح الوطنية قد بدأ قبل الصدمة التي أحدثتها تلك الإحتفالات الصاخبة. فالقراءة المتمعنة لهذا الكتاب تكشف عن بدايات مشروع ثقافي وطني لإحباط المشروع الإستعماري في المجال الثقافي الذي أشرنا اليه، فالشيخ مبارك، ينص في أكثر من مكان، على كل ما من شأنه أن يوحد الشعب، ويقضي على عناصر التفرقة. فهو يعتز، في الجزء الأول المخصص للفترة السابقة على دخول الإسلام، بشخصيات أمازيغية مثل ماسنيسا ويوغرطا وتاكفاريناس. بل أنه، هو العالم المسلم، يشيد بشخصية مثل "الكاهنة" مدفوعا بروح وطنية لم ينل منها حماسه للإسلام وتدينه الشديد، فهو يقول عن الكاهنة، رغم انها حاربت المسلمين.

" … وكل من ينظر الى التاريخ بعين الحقيقة يراها دُرَّةَ في جيد تاريخ المرأة لما كانت عليه من حسن التدبير وشدة البأس وصدق الدفاع عن الوطن والثبات على المبدأ".

لأن المسعى الذي اعتمده رجال الإصلاح الديني في مجال التاريخ لم يكن يضع تاريخ الجزائر قبل الإسلام موضع تعارض مع تاريخ الجزائر الإسلامية، بحيث ينفي احدهما الآخر. لأن هذا المسعى يعتبر ظهور الإسلام بداية تحول عميق في جميع الميادين، سياسيا وثقافيا واجتماعيا انصهرت به المجتمعات الأمازيغية، من حضر وبدو في الإسلام عقيدة وثقافة وممارسات.

فالشيخ مبارك الميلى مثلا، الذي ينسب نفسه الى بني هلال لم يكن يرى أي حرج في أن يطلق على الدول التي أسستها أسر وقبائل بربرية في العهد الإسلامي، عنوان "العصر البربري" لأن الممالك والإمارات التي قامت بالمغرب العربي على سواعد قبائل بربرية، لم تقم على أساس عرقي، ولم تكن تمردا على الإسلام، بل كانت تستمد تبريرها من المذاهب الإسلامية: فالدولة الرستمية والعبيدية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015