وسافرت معه من الغد، وكانت سفرة من أحلى السفرات التي رسخت في ذاكرتي. دامت حوالي عشرة أيام. تمتعت فيها بركوب البغال، فقد كانت هي وسيلتنا الوحيدة لنقلنا في بعض أشواط الرحلة. وأتيح لي أن أشهد بعض عادات البادية مثل ذبح خروف أو كبش للضيف ولو وصل في ساعة متأخرة من الليل.

بعد ان عدنا الى ميلة، ناداني من الغد. وبعد أن آذن لي بالجلوس راح يحكي لي ظروف اكتشافه لاختفاء الدليل، ثم قال لي ما معناه:

- لم أرد أن ألاحظ لك شيئا حتى لا أنغص عليك السفر، ولا الغي وعدا قعطته لك. وها أنا ذا الأن أعتبرك كبيرا تتعظ بالكلام، ولم تعد بحاجة الى الضرب. فلا تعد لمثلها.

وقد أتيح لي بعد ذلك أن أعيش مشهدا يدل على مدى تقديره للوعد المقطوع. كان يسافر الى قسنطينة في الصباح ويرجع في المساء، أحيانا وقد رأى ان يستصحبني في احدى هذه السفرات اليومية مع اعلامي بأننا سنرجع في نفس اليوم. قبلت رغم ان بعض يوم لم يكن ليشبع نهمي الى المدينة. الا أنه عند الوصول وجد الشيخ العربي التبسي بقسنطينة، فغير برنامجه وقرر أن يقضي بها ثلاثة أيام. ناداني أمام صديقه وقال لي ما معناه:

لقد قلت لك اننا سنرجع في نفس اليوم. لكني اضطررت الى ان امكث مدة أطول. فان كنت تريد البقاء فليكن، وان كنت رتبت امرك على العودة اليوم، فاعلمني حتى أرسلك مع أحد المسافرين الى ميلة.

وعلى ذكر جانب المربي فيه أذكر أني قرأت فيما قرأت من رسائله التي كان يحتفظ منها بنسخة لديه (والتي ضاع معضمها مع الأسف) رسالة كان وجهها الى الشيخ العربي الذي كان قد طلب منه ان يطلعه على أسلوبه في معاملة التلاميذ (فقد كان والدي قد شرع في التدريس بالاغواط، قبل ان يلتحق الشيخ العربي ببلدة سيق التي كانت أول بلدة تولى التدريس فيها للتلاميذ) فكتمب له والدي رسالة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015