سعيدا يشغل حيزا كبيرا من وقتنا عندما يتقرر مشروعا، ونظل نحكي عنه بعد تحقيقه عدة أسابيع من خلال روايات يتدخل فيها الخيال غالبا.
لكن حدث عشية السفر حادث غريب.
كان والدي، أثناء سفره للإستشفاء من داء السكر في فرنسا حيث عالج في فيشي وباريس عام 1938، قد استصحب معه دليلا مفصلا لمدينة باريس.
كانت مكتبته منظمة تنظيما دقيقا، بحيث كان يعرف موقع كل كتاب وصفه وترتيبه. وكنت مغرما بتصفح الكتب حتى ولو لم أكن أفهم ما فيها. وكنت أحرص على اعادتها الى مكانها حتى لا يعرف أني استعملتها.
قبل يومين من السفر، عثرت على دليل باريس. أعجبت بما فيه من صور ومعالم، فحملته الى المدرسة حتى أريه لزملائي وأزهو عليهم.
طلب مني أحد الزملاء أن أعيره اياه مقابل أن يعيرني هو مركبة خشبية تسير بـ "الرولما" كما كنا نقول، ونقصد بذلك عجلات معدنية صغيرة.
وحدث ان والد زميلي عثر على الدليل عنده فسأله من أين جاءه، فأخبره بالحقيقة. فما كان من أبيه الا ان أخذه منه وأتى به الى خالي حتى يعيده الى والدي. وأعاده بالفعل عشية السفر.
وصادف أني رأيت الدليل وقد احتل مكانه، صعقت. كان والدي قد أرجعه حيث كان دون ان يفاتحني في الموضوع. قلت في نفسي: لقد افتضح الأمر. ورحت أتصور صدور العقوبة الصارمة ممثلة في ضرب مبرح، كذلك الذي ينالني عند التخلف عن الصلاة، مع الغاء سفري.
لكن شيئا من ذلك لم يحدث. لم يظهر على أبي أي تصرف يدل على أنه عرف بما حدث. لم تصدر عنه أية ملاحظة. كان تصرفه معي عاديا. تعجبت ولم أستفهمه.