يكن يصح أن يأتي زائر على حين بغتة دون ان يكون في وسع أمي ان تقدم له بعض الحلويات.

لهذا كان والدي يشتري الجوز بكميات كبيرة من مصدرين أساسيين: من أحد الاسواق القريبة، التي تغذيها بعض مناطق فرجيوة، ومن الاوراس الذي كان يزود أسواق باتنة وخنشلة.

أذكر أن منظر جوزة بيضاء، قشرتها ناصعة، استهواه ذات ليلة، فأصر على ان يكسرها بنفسه، وكم كانت دهشته ودهشتنا أيضا- عندما وجد بداخلها كتلة سوداء لا تشبه لب الجوز من بعيد ولا من قريب.

- أعوذ بالله .. هذه الجوزة مثل المنافق.

كان تعليقه. وضحكت أمي لتعليقه. وضحكت معجبا ببداهة التعليق ودقة التشبيه.

وقد أتيح لي ان اكتشف جانبا من جوانب شخصيته وأنا بعد طفل، وهو جانب المربي، فهو لم يكن يستعمل الشدة معي الا حيث تكون لازمة، أي عندما يتعلق الأمر بشيء، لا يمكن التساهل فيه، مثل ترك الصلاة. آنذاك لا يتردد في انزال شديد العقاب بي، لا يشفع في ذلك حبه الشديد لابنه- كما سنرى- ولا تدخل والدتي أو جدتي.

أذكر أنه كان ذات صيف يستعد للسفر الى مسقط رأسه في الجبل، وكنت شديد الشوق الى مرافقته في تلك السفرة، فطلبت منه ان يأذن لي بأن أذهب معه. قال لي ما معناه: أنت مخطئ ان كنت تتصور ان "أولاد مبارك " مثل قسنطينة أو مدينة الجزائر. قلت أريد أن أسافر مهما تكن "أولاد مبارك " كان ذلك في صيف 1939.

ونزل عند رغتبي.

كانت فرحتي كبيرة. فلم يكن في حياتنا بالقرية، نحن أطفال ذلك العهد ما يثير. كانت منازل القرية التي يوجد بها "راديو" لا تتجاوز ثلاثة، منها منزلنا. وكان هناك مقهى واحد له راديو بالاظافة الى النادي. وكان السفر بالنسبة للاطفال آنذاك حدثا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015