وكذلك كان. خصص لنا ساعة كل يوم، من السابعة صباحا الى الثامنة. كنا حوالي عشرة. وكان على مرضه يحرص على عدم التخلف عن القاء ذلك الدرس. وكان الجميع يحضرون طالما كان الوقت صيفا أو خريفا. حتى إذا دهم الشتاء راح عدد الحاضرين. على قلتهم ينقص. حتى انه لم يجد ذات يوم، في القاعة سواي.

غضب. كان مرض السكر قد جعله شديد الانفعال. لم يلق ذلك اليوم درسه وقال لي: أخبر زملاءك انهم إذا لم يحضروا من الغد، فلن يسمعوا مني درسا بعدها.

وأبلغتهم. ومن الغد لم يحضر أي أحد منهم. آنذاك قرر أن يخصني بالتدريس لكن في المنزل.

كان تحلقنا حوله في السهرة حول المدفأة هي الفترة الوحيدة التي نجتمع فيها اليه فنحن لم نكن نأكل معه. لأن اصابته بداء السكر منذ سنوات شبابه كانت تفرض عليه نظاما خاصا للأكل، ومن هنا كان يتجنب الجلوس الى مائدتنا خشية ان تمتد يده للمحرمات عليه بسبب المرض. وهذا في الوقت الذي كنت أتصور فيه انه محظوظ بفعل نظام أكله الخاص: فقد كان منظر الخبز الخاص الذي يشتريه من قسنطينة في علب كارتون كبيرة، والمصنوع من مادة الغلوتان فقط، يسيل لعابي.

أما في السهرات الشتوية فقد كان يقاسمنا أحيانا أكل البرتقال والجوز. وكانت اجراءات تكسير الجوز وتقشير البرتقال التي تتولاها أمي غالبا من بين الطقوس التي نحرص على حضورها. وكنت اتعجب كيف يفضل أبي أكل البرتقال الحامض، في الوقت الذي كنا فيه نحن الصغار نتنازع صنفا من البرتقال الحلو، لم أعد أجد له أثرا في الاسواق اليوم.

وكان استهلاك الأسرة للجوز عاليا: فهو زيادة عن سهرات الشتاء يستعمل في صنع الحلويات، لأن وجود بعض أصناف الحلوى كان ضروريا على مدار السنة وليس في الاعياد فقط، فلم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015