هرم السلطة بالإضافة إلى تمكن الثقافة الغربية من ذهنيات عدد كبير من المسؤوليين القياديين في جبهة التحرير الوطني في الخارج لأن الداخل سيظل سليم التوجه بفعل تأثير القواعد التي لا يمكن أن ترضى بأي بديل عن عروبتها وإسلامها.

وبالفعل، فإن أدبيات جبهة التحرير الوطني التي كانت تنشر على أعمدة لسانها المركزي أو في شكل منشورات وكتيبات قد تتلون بألوان مختلفة وتجندت جهتان على الأقل للتأثير في أيديولوجية الثورة الجزائرية، فمن ناحية، هناك ما يسمى بالتيار التحرري في فرنسا، فأصحاب هذا التيار هم الذين أطلقوا على أنفسهم هذه التسمية لإيهام الوطنيين الجزائريين والرأي العام العالمي بأن ثمة، في صفوف الشعب الفرنسي، من يرفض الاستعمار ويناهض ممارساته اللاإنسانية ولذلك فهم يساندون الكفاح الذي يخوضه الشعب الجزائري في سبيل استرجاع استقلاله الوطني، وفي الواقع فإنهم إنما يخططون لمستقبل بلادهم بواسطة العمل بجميع الوسائل على احتواء العناصر الأكثر تأثيراً في قيادات الثورة وجعلهم ينبهرون أمام شعارات جوفاء مثل الديمقراطية واللائكية والمبادئ الجمهورية وحقوق الإنسان وغيرها مما هو مستنبط من التاريخ الأوربي ولا علاقة له بالمجتمع العربي الإسلامي في الجزائر.

أما الجهة الثانية فتتمثل في المعسكر الاشتراكي بزعامة الاتحاد السوفياتي الذي أدرك أن الحزب الشيوعي الجزائري قد أخفق في أن يجد لنفسه مكانة محترمة في قيادة الثورة فراح يجند الديمقراطيات الشعبية التي تدور في فلكه لمواجهة التوسع الرأسمالي في المنطقة.

لقد كان من المفروض، في نظر الاتحاد السوفياتي، أن يكون الحزب الشيوعي الجزائري هو قائد الثورة أو، على الأقل، هو طليعتها التي بيدها التخطيط والتوجيه. لكن الحزب الشيوعي الجزائري عجز عن الإلتحام بالجماهير الشعبية وربح ثقتها وذلك بسبب الفكر الماركسي الذي ينطلق منه والذي يتنافى، في كثير من المواطن، مع الدين الإسلامي الذي هو دين الشعب الجزائري من جهة، وبسبب تبعية الشيوعيين الجزائريين للحزب الشيوعي الفرنسي الذي ينكر وجود الأمة الجزائرية بمفهومها الوطني ويرفض، عن قناعة، استقلال الجزائر عن الإمبراطورية الفرنسية (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015