لأن تحرك هذين التيارين من أجل النفاذ بقوة في أوساط الثورة الجزائرية بالخارج قد ولد بالتدريج مجموعة من المصطلحات والمفاهيم الغربية التي سوف تكون منطلقاً لكثير من الغموض الذي سيجعل الانحراف يبلغ أوجه في مؤتمر طرابلس سنة اثنين وستين وتسعمائة وألف. ومن جملة تلك المصطلحات والمفاهيم التي انتشرت بسرعة كبيرة كان لها مفعول سيئ على مسار الثورة نذكر على سبيل المثال: الباءات الثلاثة، العسكريون، المحافظون، المعتدلون، التقدميون، المتشددون الرجعيون العرب والقبائل (?).
ومما لا شك فيه أن تداول هذه المصطلحات وهذه المفاهيم المزيفة في وسائل الإعلام الفرنسية والغربية بصفة عامة قد رسخها في الأذهان وجعلها، شيئاً فشيئاً، تتحول إلى نوع من المعتقدات التي نخرت جسم الثورة وساعدت على تشتيت قواها الحقيقية بالإضافة إلى فتح أبواب واسعة أمام جحافل المخترقين من الأعداء والانتهازيين. لكن أول خطوة في طريق الانحراف الأيديولوجي القاتل تبقى هي إلغاء مبدأ العمل الجماعي من طرف أقوى عناصر لجنة التنسيق والتنفيذ عندما قرروا ثم نفذوا إعدام رفيقهم الشهيد عبان رمضان دون محاكمة وسبب معلوم وخاصة دون الرجوع إلى المجلس الوطني للثورة الجزائرية الذي هو وحده مؤهل للنظر في مثل هذه القضية. ولم تبق هذه الخطوة يتيمة بل تكررت بالنسبة لقرارين حاسمين في تاريخ الكفاح المسلح وهما: نقل الحرب إلى فرنسا وتأسيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية (?).
إن الأمر هنا، لا يتعلق بتقييم القرارين في حدهما إيجابيان ومفيدان للثورة ما في ذلك شك، وقد أثبت التاريخ ذلك، ولكن الطريقة المستعملة في اتخاذهما تشكل انتهاكاً صارخاً لصلاحيات المجلس الوطني للثورة الجزائرية، وسوف