المثقفين عندئذ، مهما بالغوا في التحرر، كانوا يحمون أنفسهم بالانضمام إلى إحدى الطرق الصوفية، على الأقل، أو التظاهر بموالاة أهل الخير والولاية.
والواقع أن الحفناوي لم يكن يكتب تاريخا في تراجمه، حتى نحاكمه بقسوة على منهجه، كما فعل سعد الدين بن شنب، حين قال إن علم التاريخ لم يتقدم عنده، وإنه كان يسير في خطى مؤرخي العصور الوسطى. فإن كان ابن شنب يعني بذلك كتب التراجم فهو مصيب في دعواه، وإن كان يعني كتابة التاريخ فالأمر هنا مختلف. حقيقة أن الحفناوي قد ذكر الخرافات لبعض من ترجم لهم، وأكثر من الشعر أحيانا، وتوقف عند نقد مصادره، وعدم ترتيبها. ولكن لا حرج على الحفناوي أن يصبح كتابه كتاب أدب بدل أن كون كتاب تاريخ، لأن الترجمة كانت وما تزال تجمع بين الحقلين: الأدب والتاريخ، إضافة إلى علوم أخرى. وقد انتقد ابن شنب من خلال الحفناوي، كل متعلمي الجزائر المعاصرين له في العشرية الأولى من هذا القرن، لأنهم كانوا في نظره بعيدين عن التصور الحقيقي للتاريخ كمنهج ونقد وتحليل. وفي نظر ابن شنب أن المؤرخين (العصريين) بدأوا منذ العشرينات مع ظهور كتاب مبارك الميلي، كما أسلفنا (?).
لكن تعريف الخلف له ميزة بارزة انفرد بها، وهي أنه ظهر في وقت لم