فقد كان ذلك مرحلة أخرى من مراحل العلاقات الجزائرية - الفرنسية في القضاء وفي التعليم وفي الأرض وغيرها، وإذا كانت الأربعين سنة السابقة قد تميزت بالاحتلال العسكري والعنف المادي والمواجهات، فإن المرحلة الجديدة قد تميزت بالاحتلال المدني وفرض القوانين الفرنسية والدمج القسري لشؤون الجزائر في مختلف المرافق الفرنسية، ومن ذلك القضاء الإسلامي، وسنسوق هنا بعض ما حدث من تغيير في هذا المجال، رغم أن عهد الستينات كان أيضا عهد الاستحواذ الذكي على صلاحيات القضاة المسلمين، كما رأينا:

1 - افتتحت الجمهورية الثالثة، المدنية، بقيادة الحاكم العام ديقيدون، عهدها بمصادرة الأرض الواقعة في منطقة ثورة 1871 ونصب المحاكم العسكرية، وفتح السجون أمام الثوار، وكانت المحاكمات تجري في مدينة قسنطينة، ولكن المستوطنين قد نصبوا محاكمهم الخاصة، وقد صدرت أحكام الإعدام والنفي والمصادرة والتغريم والسجن بالآلاف (?).

2 - منذ 29 غشت 1874 تغيرت السياسة القضائية في زواوة، فلم يعد القضاة هم الذين يصدرون الأحكام بين الأهالي هناك، ولا الجماعة ولا المرابطون (المصلحون)، بل أصبح قضاة الصلح (جوج دي بي) الفرنسيون هم الذين يقومون بذلك، وتماديأ في المس بالدين الإسلامي ترك الفرنسيون الحرية للمتقاضي، إما أن يختار الحكم حسب العرف القبلي أو حسب الشريعة الإسلامية، ولكن هذا الاختيار كان مؤقتا فقط، إذ أن قرار 17 ابريل سنة 1889 قد أجبر أهل زواوة على التحاكم أمام المحاكم الفرنسية فقط ولو كانوا خارج منطقتهم، فأحوالهم المدنية من زواج وطلاق وتركات كلها يجب أن تجري أمام قاضي الصلح الفرنسي، وقد قاوم الأهالي ذلك وتمسكوا بالشريعة الإسلامية، رغم بقاء العرف سائدأ في عدم توريث المرأة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015