ومن جهة أخركما، فإن الفرنسيين قد أطلقوا عبارة النظام العسكري على المناطق الجنوبية، وهي تسمية فضفاضة لأن ما كان عسكريا في الجنوب أصبح مدنيا بالتدرج وتابعا للشمال مع تقدم السنوات وتوسع الحكم المدني الخاضع لمنطق الفرنسيين الإداري، وهكذا فإن أجزاء كثيرة من التل والهضاب العليا كان يطلق عليها مناطق عسكرية ثم أدمجت في الإدارة المدنية، سيما بعد 1871، وكانت منطقة ميزاب ضمن الجنوب ومع ذلك اعتبرها الفرنسيون وحدة قضائية لأنها، تتبع المذهب الإباضي، كما أن بني ميزاب كانوا (محمية) فرنسية من 1853 إلى 1882. وكان اتفاق الحماية قد اعترف لهم بإجراء الشريعة الإسلامية على ما كانوا عليه وعلى اتباع تقاليدهم ومجالسهم المحلية، ولكن الأمر لم يبق كذلك بعد احتلال المنطقة سنة 1882، ومع ذلك بقي القضاء هناك تبعا للمذهب الإباضي.

وقد أصبح أنموذج (تحرير الأصول) الذي حررته لجنة لوتورنو المذكورة، هو المتبع في المدارس والامتحانات، إنه محاولة لتوحيد المصطلحات، كما قلنا، وقد أوصت تلك اللجنة بالابتعاد في الفقه عن كل ما يتعلق بالعبادات والرق، لأن ذلك غير موافق (لشرائعنا) أي القوانين الفرنسية، كما أوصت بالابتعاد عن الحدود التي حجرت على القضاة، وأنواع الغرامات، ومن ثمة فالذي سيكون محل اهتمام المدرسين والمترشحين في مسائل الفقه هو المسائل المالية والبدنية، وهي ميدان اشتغال القضاة في أحكامهم، وتذكر المبشر أن اللجنة التزمت، مع ذلك، بأبواب الفقه كما وردت في مختصر الشيخ خليل حتى لا يقع إشكال على المدرسين في التعليم لو تغيرت قواعده (?).

...

ولكن كثيرا من التغير حدث في ميدان القضاء الإسلامي بعد سقوط نابليون الثالث وبداية عهد الجمهورية الثالثة، وحدوث ثورة 1871.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015