فأذن للحجاج في أن يستبيح مكة واستباحها الحجاج، ففعل فيها الأفاعيل، كل ذلك لتخضع البلاد المقدسة لبني أبي سفيان ولبني مروان من بعدهم.
وشبهة ذلك عنده في استباحة الحرم أن الحرم لا يجير عاصيا كما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ج- وغلب جانب الرأي في المعاملات، روى عطاء بن يسار أن معاوية باع مرة سفاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها، فقال له أبو الدرداء: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل ذلك" فقال معاوية: ما أرى بهذا بأسا، فقال أبو الدرداء: "من يعذرني من معاوية، أخبره عن رسول الله ويخبرني عن رأيه.. لا أسكنك أرضا". رواه مالك في الموطأ، والنسائي في السنن، وأصله عند مسلم، وأن الذي نهى معاوية عبادة بن الصامت؛ وإنما رأى معاوية ذلك إما لأنه حمل النهي على المسبوك الذي به التعامل وقيم المتلفات، أو كان لا يرى ربا الفضل كابن عباس فيما روى عنه أول الأمر.
وينبغي الإشارة هنا إلى ما رواه أهل السنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يكون الخلافة ثلاثين سنة، ثم تصير ملكا". وهو الحديث الذي استند إليه العلماء في تقرير خلاة الخلفاء الراشدين الأربعة؛ فقد كانت وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة، وعلى رأس ثلاثين سنة بعد ذلك كان إصلاح الحسن بن على بين فئتين من المؤمنين بنزوله عن الأمر لمعاوية سنة إحدى وأربعين في شهر جمادي الأولى، وسمي "عام الجماعة" لإجماع الناس على معاوية وهو أول الملوك.
وكان هذا الإصلاح مصداقا لما رواه البخاري وغيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال للحسن: "إن ابني هذا سيد. وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين".
وفي الحديث الذي رواه مسلم "ستكون خلافة نبوة ورحمة، ثم يكون ملك ورحمة، ثم يكون ملك وجبرية، ثم يكون ملك عضوض". وعهد بني أمية هو الذي يصدق فيه القول بأنه ملك ورحمة، وأولهم معاوية.