ولا شك أن معاوية صحابي له فضل الصحبة التي وردت في الأحاديث الصحيحة، بل كان من كتاب الوحي، فلا يجوز لأحد أن ينال منه، وإن كان الصحابة ليسوا على درجة سواء في الفضل، وقد استعمله عمر رضي الله عنه على الشام بعد أخيه يزيد بن أبي سفيان قبل أن يستعمله عثمان.
واتفق العلماء على أن معاوية أفضل ملوك هذه الأمة. فإن الأربعة قبله كانوا خلفاء نبوة، وهو أول المولك، كان ملكه ملكا ورحمة كما جاء في الحديث.
ولكنه سن سنة سيئة في حمل الناس على بيعة يزيد، وجرى على ذلك أمر بني أمية في القهر والغلبة إذا استثنينا عمر بن عبد العزيز.
أما يزيد بن معاوية فقد غلا فيه بعضهم فجعله إماما عادلا هاديا مهديا، وغلا آخرون في ذمه فاتهموه بالكفر والزندقة.
والحق أن يزيد بن معاوية ولد في خلافة عثمان بن عفان -رضي الله عنه- ولم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، ولا كان من الصحابة باتفاق العلماء، ولا كان من المشهورين بالدين والصلاح، ولا كان كذلك كافرا ولا زنديقا؛ وإنما تولى بعد أبيه على كراهة من بعض المسلمين ورضا من بعضهم. وجرت في إمارته أمور عظيمة:
أحدها: مقتل الحسين رضي الله عنه، حيث حاربه بجيوشه، وحين طلب الحسين منهم أن يجيء إلى يزيد أبوا إلا أن يقتلوه وأصر عبيد الله بن زياد على قتله؛ فكان قتله، كما كان قتل عثمان رضي الله عنه قبله من أعظم أسباب الفتن في هذه الأمة.
الأمر الثاني: استباحته للمدينة، فإن أهل المدينة نقضوا بيعته، وأخرجوا نوابه فبعث إليهم جيشا، وأمره إذا لم يطيعوه بعد ثلاث أن يدخلها بالسيف ويبيحها ثلاثا، فصار عسكره في المدينة النبوية ثلاثا يقتلون وينهبون، وينتهكون الأعراض، وأوقعوا بأهل المدينة في الحرة، ثم أرسل جيشا إلى مكة المكرمة فحاصروها، وهذا من العدوان والظلم الذي فعل بأمره.
الأمر الثالث: أنه لم يكن محمود السيرة من كل وجه، فقد ذكرت بعض