نكاحهم وطلاقهم، وفي بيوعهم وسائر معاملاتهم، وكانت لهم محارم يحرمونها كالأمهات والبنات والأخوات، ولهم مزاجر في مظالمهم في مثل الجنايات والديات والقسامة وما شاكلها.
تلك هي حال العرب والعالم قبل البعثة، وهي حال يستطير شرها، ويتفاقم خطرها بما أورثته للإنسانية من استبداد وظلم وشقاء وفساد، وفي وسط هذا الجو الخانق القاتل لقيم الحياة الإنسانية ومطالبها الروحية انبعث من بطحاء مكة صوت قوي رهيب يقول: "لا إله إلا الله". كان ذلك الصوت الداوي صوت محمد صلى الله عليه وسلم الذي اختاره الله؛ ليهدي العقول الحائرة إلى نور الإيمان بالعقيدة الصحيحة، ويفتح لها مسالك العلم النافع، ويمنحها العدل الذي يحطم قيود العسف والجبروت، والحرية التي ترقى بمستوى الإنسانية، وتحفظ لها حقوقها، والمساواة التي تهب لكل فرد فرصة يستثمر فيها مواهبه لخير المجتمع وصالحه، فأنذر وبشَّر، وأعلن دعوته ربانية عالمية، تتخطى جبال الحجاز، وهضاب نجد، وسعة البحار والوهاد، وتتجاوز كل مهمه قفر؛ لتعلن على الملأ إنسانيتها، وتدعو البشرية على اختلاف أجناسها وألوانها للانضواء تحت لوائها:
{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} 1.
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} 2.
فكانت رسالة الهدى والرحمة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} 3.