عرفنا فيما سبق أن الشريعة خاصة بما جاء عن الله تعالى:
{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} 1. وذلك لا يكون إلا في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث انقطع الوحي بوفاته، فالتشريع إما أن يكون وحيا إلهيا بالمعنى واللفظ، وذلك يتمثل في القرآن الكريم الذي أنزله الله على رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، وإما أن يكون وحيا إليها بالمعنى دون اللفظ، وذلك يتمثل في سنة رسول صلى الله عليه وسلم، فإن لفظ الحديث من كلامه، وإن كان معناه وحيًا؛ لقوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} 2. فالله وحده هو المشرع، ورسوله هو المبين لشرعه {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} 3. وقد أوجب الله طاعة رسوله؛ لأنها من طاعته {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّه} 4. وجعل حكمه عن إلهام منه {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} 5 فلا شرع إلا ما شرع الله أو ما شرع رسوله، ولهذا كان للتشريع الإسلامي مصدران أساسيان؛ الكتاب والسنة، وبانتهاء حياة الرسول صلى الله عليه وسلم انتهى عهد التشريع.
وقد بين حديث عائشة كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن الرؤيا الصالحة كانت أول أمره، ثم حبب إليه الخلاء، حتى جاءه الملك وهو يتعبد في غار حراء؛ فعن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: "أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء فيتنحث فيه -وهو التعبُّد- الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء،